وبقوله أيضا : فصل في أنّ واجب الوجود تمام الأشياء وكل الموجودات : هذا من الغوامض الإلهية التي يصعب إدراكه إلاّ على من آتاه الله من لدنه علما وحكمة ، لكن البرهان قائم على أنّ كلّ بسيط الحقيقة كلّ الأشياء الوجوديّة إلاّ ما يتعلّق بالنقائص والأعدام ، والواجب تعالى بسيط الحقيقة من جميع الوجوه ، فهو كلّ الوجود كما أنّ كلّه الوجود (١).
وعنه أيضا : فإذا ثبت تناهي سلسلة الوجودات من العلل والمعلولات إلى ذات بسيط الحقيقة النورية الوجودية ... وثبت أنّه بذاته فيّاض وبحقيقته ساطع ... تبين وتحقق أنّ لجميع الموجودات أصلا واحدا وسنخا فاردا هو الحقيقة ، والباقي شئونه ، وهو الذات ، وغيره أسماؤه ونعوته ، وهو الأصل وما سواه أطواره وشئونه ، وهو الوجود ، وما وراءه جهاته وحيثياته. ولا يتوهّمن أحد من هذه العبارات أنّ نسبة الممكنات إلى ذات القيوم تعالى تكون نسبة الحلول ، هيهات إنّ الحالّية والمحلّية تقتضيان الاثنينية في الوجود بين الحالّ والمحلّ ، وهاهنا ، أي عند طلوع شمس التحقيق من افق العقل الإنساني المتنوّر بنور الهداية والتوفيق ، ظهر أن لا ثاني في الوجود الواحد الحق ، واضمحلّت الكثرة الوهمية ، وارتفعت أغاليط الأوهام ، والآن حصحص الحق وسطع نوره النافذ في هياكل الممكنات ، يقذف به على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق وللثنويّين الويل مما يصفون ، إذ قد انكشف أنّ كلّ ما يقع عليه اسم الوجود بنحو من الأنحاء فليس إلاّ شأنا من شئون الواحد القيوم ... (٢).
وعنه أيضا : قال العارف القيّومي جلال الدين الرومي في مثنويه :
ما عدمهاييم هستيها نما |
|
تو وجود مطلقى هستى ما |
والظاهر اتفاق أكابر الصوفية على ما ذكر في مسألة التوحيد مع اختلاف بينهم في بعض الحيثيات ، كما يظهر لمن تتبع كلماتهم.
أقول : هذه الخطابيات وكذلك تطبيق القاعدة المسلّمة « بسيط الحقيقة كلّ الأشياء
__________________
(١) الأسفار ٦ : ١١٠.
(٢) الأسفار ٧ : ٣٠٠.