لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه (١) ـ إلى أن قال السائل ـ فقد حدّدته إذ أثبتّ وجوده ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : لم أحدّده ولكن أثبتّه ، إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة.
قال السائل : فله إنّيّة ومائيّة؟ قال : نعم لا يثبت الشيء إلاّ بإنّية ومائيّة. قال السائل : فله كيفيّة؟ قال : لا ، لأنّ الكيفيّة جهة الصفة والإحاطة ، ولكن لا بدّ من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ... (٢).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام ـ في صفة خلق أصناف من الحيوان ـ : ولو فكّروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة ، والبصائر مدخولة. ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر وسوّى له العظم والبشر.
انظروا إلى النملة في صغر جثّتها ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها ، وصبّت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى حجرها ، وتعدّها في مستقرها. تجمع في حرّها لبردها ، وفي وردها لصدرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنّان ، ولا يحرمها الديّان ، ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ، ولو فكّرت في مجاري أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا.
فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر.
ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلّتك الدلالة إلاّ على أنّ فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كل شيء ، وغامض اختلاف كل حيّ ، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف ، في خلقه إلاّ سواء ، وكذلك السماء والهواء والرياح والماء.
فانظر إلى الشمس والقمر ، والنبات والشجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل
__________________
(١) البحار ٣ : ٢٩ ، عن الاحتجاج والتوحيد.
(٢) البحار ١٠ : ١٩٧ عن التوحيد ٢٤٤.