علم كونه معجزة من غير فرق بين اعتبار عجز الكلّ أو البعض ، ومن هنا يعلم عدم اعتبار كون المعجزة بالنسبة إلى فنّ يكون أهل عصر صاحبها عالمين بذلك الفنّ كالطبّ في زمان عيسى ، والسحر والإتيان بأمر الغريب في زمان موسى ، والفصاحة والبلاغة في زمان نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، فتأمّل.
ومنها : أنّ أكثر الناس لا يفهمون إعجاز القرآن ، وكلّ معجزة لا يفهم الأكثر إعجازها فهي ناقصة.
والجواب : أنّ أهل العلم يفهمون إعجازه بلا واسطة ، وغيرهم يدركون بواسطتهم ، وملاحظة عجزهم عن الإتيان بمثله ـ مع كمال حرصهم على المعارضة ـ فيرتفع النقص ، مضافا إلى ما يقال : إنّ إعجاز القرآن غير منحصر في البلاغة ، بل قد يكون بوجه آخر أيضا كقضاء الحوائج ، وشفاء المرضى عند التوسّل ، وتحصيل المقامات عند التدبّر ، والإخبار بالمغيّبات ، وبيان الخير والشرّ في الاستخارات ، ونحو ذلك ممّا يدركه الخواصّ والعوامّ بلا شبهة وكلام.
ومنها : أنّ اختلاف القرّاء والمفسّرين في القراءات وشأن النزول والمقاصد من الآيات يوجب عدم استفادة معنى معيّن من القرآن ، وذلك ينفي الإعجاز حتّى بالنسبة إلى المواضع المشتملة على المغيّبات ، كقوله : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (١). ونحو ذلك من المواضع المعدودة التي صارت بسبب ما ذكر مجملة ، غير جليّة الدلالة ، فلا يمكن الحكم بأنّها معجزة ؛ لأنّها باعتبار البلاغة وهي من جهة التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة ، فحيث لا يفهم المعنى لا يمكن الحكم بالبلاغة والإعجاز.
والجواب أوّلا : ـ مضافا إلى بعض ما تقدّم ـ أنّ الإعجاز الثابت بالتواتر والتظافر ونحوهما إنّما هو بالنسبة إلى زمان النزول المتقدّم على الاختلاف في القراءة وشأن
__________________
(١) الروم (٣٠) : ١ ـ ٤.