وجود الداعي لا ينافيها.
وظهر من القيد الأخير عدم امتناع صدور العصيان على وجه الإجبار ؛ إذ لا إكراه في الدين.
والأنسب أن يفسّر العصمة بحالة إلهيّة مانعة عن صدور مطلق القبيح والعصيان عن العمد والنسيان ، ونحوهما ممّا يعرض الإنسان مدّة العمر ، لا على وجه الإكراه.
وأمّا عصمة خاتم الأنبياء وأوصيائه فهي مانعة عن صدور ترك الأولى مطلقا وما يوجب النفرة والنقص ، وعدم إتمام الحجّة ، والشبهة في إتمام الحجّة أيضا ، كما هو مقتضى الوصول إلى مرتبة حقّ اليقين المشار إليه بقوله عليهالسلام : « لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا » (١) ، ومقتضى الخشية فـ ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (٢).
وبالجملة : فالعصمة لطف خصّصه الله تعالى بجمع يتوقّف حصول الغرض من وجودهم عليه وهم الأنبياء والأوصياء ، والغرض من وجودهم تبليغ أحكام الله إلى المكلّفين ، والغرض من التبليغ حصول العلم اليقيني بالأحكام ليسهل الغرض من خلق الإنسان وهو إيصال النعيم الأبدي الموقوف على القابليّة الموقوفة على العمل على وفق الحسن والقبح النفس الأمريّين بارتكاب الأوّل والاجتناب عن الثاني ، ولا يحصل ذلك إلاّ بالعلم بهما ، وهو لا يحصل إلاّ ببيان من الله بواسطة ، أو بدونها لنقصان عقولنا ، والأخير غير ممكن في الكلّ لنقص القابل ، فلا بدّ من الواسطة التي يحصل من بيانها العلم ، ولا يحصل ذلك إلاّ بالعصمة المانعة عن صدور الكذب ، بل السهو والنسيان ، فتجب عصمة الأنبياء من وجوه ثلاثة :
الأوّل : أنّها لطف للأنبياء في التبليغ الذي هو لطف مخصوص بهم ؛ إذ اللطف ما يقرّب المكلّف إلى أداء التكليف ، وهي كذلك بالنسبة إليهم.
__________________
(١) « بحار الأنوار » ٤٠ : ١٥٣ ، ح ٥٤.
(٢) فاطر (٣٥) : ٢٨.