النزول ، فإنّ القطع حاصل بأنّ أهل عصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بحكمهم ـ مع كمال بلاغتهم وحرصهم على المعارضة ـ عجزوا عن الإتيان بمثله ، فيظهر كونه من الله تعالى.
وثانيا : أنّ البلاغة حاصلة بالنسبة إلى كلّ معنى يستفاد من القراءات المختلفة ولو باعتبار شأن النزول ، والاختلاف لا يقدح في حصول البلاغة ، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة ؛ لحصول التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة.
وثالثا : أنّ الاختلاف في بعض المفردات لا يوجب خفاء المعنى التركيبي وعدم حصول العلم بالبلاغة.
ورابعا : أنّ عدم العلم بإعجاز ما اختلف فيه لا يوجب عدم العلم بإعجاز ما اتّفق عليه ممّا وقع التحدّي بمثله ، كسورة الفاتحة في الجملة ، والتوحيد ، ونحوهما.
وخامسا : أنّ عدم العلم بالإعجاز من جهة عدم العلم بالبلاغة استقلالا لا يوجب عدم العلم به من وجه آخر كما أشرنا إليه.
مضافا إلى ما يقال : من أنّ الاختلاف لو كان سببا لنفي الحقّ لكان الاختلاف في وجود الصانع ووحدته وعدله ، ونبوّة الأنبياء والأوصياء ونحو ذلك سببا لنفي ما ذكر وهو بديهيّ الفساد ، مع عدم الاختلاف في نحو ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ ) (١) الآية ، لفظا ومعنى ، وكذا سائر ما يشتمل على المغيّبات من السور والآيات كقوله تعالى : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) (٢) إلى آخره ، حيث أخبر بأحوال المنافقين قبل الوقوع ؛ ولهذا ندب إلى قراءة تلك السورة في الركعة الثانية في جميع الجمعات عند جمع الجماعات ، وكذا الإخبار عن أحوال بني أميّة وأمثالهم في سورة الإسراء (٣) وكذا سورة محمّد ، والمعوّذتين (٤) حيث أنزلتا لإخراج السحر المستور سيّما
__________________
(١) الروم (٣٠) : ١ ـ ٢.
(٢) المنافقون (٦٣) : ١.
(٣) الإسراء (١٧) : ٤٥ ـ ٤٧.
(٤) أي سورتا الفلق والناس.