ولا يخفى أنّ ذلك يوجب حصول العلم القطعي بعجز الكلّ عن المعارضة ، وكون القرآن منزلا من عند الله على سبيل المعجزة ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة ؛ فإنّ إتيان الأمّي ـ الذي لم يكن كثير المعاشرة مع العلماء ـ بكلام لم يقدر أحد على الإتيان بمثله مع كمال الفصاحة وحرصهم على المعارضة ـ مضافا إلى اشتماله على المصالح والمحاسن والخصائص الكثيرة ـ لا يكون إلاّ على وجه المعجزة بلا شبهة ، سواء كان العجز من جهة علوّ المرتبة في الفصاحة والبلاغة ، أو من جهة تعجيز الله عن الإتيان بالمثل عند إرادة المعارضة.
قد يقال ـ مضافا إلى المعارضة بالمثل بعدم العلم بكون إحياء الموتى من عيسى معجزة ؛ لاحتمال كونه من دعائه باسم الله الأعظم كما في دعاء ابن باعور الكافر على موسى ، أو نحو ذلك ـ : إنّ نسبة العادة إلى الإنسان مغالطة ، فإنّها منسوبة إلى طبائع الأشياء وغرائزها ولو بملاحظة الكيفيّة المخصوصة ؛ إذ العمل على خلاف مقتضى طبائعها معجزة كجعل العصا تنّينا ، وكذا نزول الغيث الخارج عن المعتاد في غير وقته بمجرّد دعوة النبيّ ، أو الوصيّ ، أو الوليّ دفعة ، ونحو ذلك ممّا لا يكون مسبّبا عن سبب ، بل يكون بإرادة إلهيّة.
وإعجاز القرآن من القسم الثاني ، فإنّه وإن كان من جنس الكلام الصادر عن الإنسان فليس بمعجزة بذاته إلاّ أنّ كونه على أسلوب غريب وطور عجيب ، ونحو ذلك ممّا لا يقدر على الإتيان بمثله أحد من البلغاء معجزة ، فهو معجزة بحسب الخصوصيّة ، فتأمّل.
وأيضا إذا كان المناط في المعجزة كون الفعل على خلاف مقتضى الطبيعة كان اعتبار أفراد الإنسان كلاّ أو بعضا مغالطة ، فتأمّل.
وأيضا التسوية بين الواحد والكثير من المغالطات ، وكذا اعتبار الكلّ والبعض في العجز ، فإنّه إذا علم كون الفعل على خلاف مقتضى الطبيعة ولو بملاحظة الخصوصيّة