منها : ما يتعلّق بالمعجزة لنفي إعجاز القرآن المستلزم لنفي النبوّة ـ بناء على انحصار المعجزة فيه ـ وهو أنّ المعجزة ما يكون خارقا للعادة الإنسانيّة ، فإنّ الغرض منها إفادة كون من أتى بها مبعوثا من الله ، وذلك لا يكون إلاّ بكون العمل فوق طوق كلّ البشر ، وخارقا لعادة كلّي الإنسان ، بأن لا يقدر أحد من أفراده [ قادرا ] (١) على الإتيان بمثله بنفسه ولو بالكسب ونحوه حتّى يتميّز عن السحر وغيره ممّا لا يكون أمرا عجيبا واقعيّا ، كأن يكون خياليّا بالتصّرف في الحسّ المشترك ، أو كان ولم يكن خارقا للعادة ، كأن يكون ذا سبب أرضيّ أو سماويّ ، أو مركّب خفي كإلقاء الزئبق في الحبل الأجوف ، أو لم يكن مقترنا بادّعاء النبوّة الممكنة ، أو الإمامة الممكنة على وجه المطابقة ، كإحياء الموتى الصادر عن عيسى ، فإنّه لا يمكن أن يكون بالطبّ ونحوه من الكسب والتدبير ، بل هو بمجرّد التكلّم بالإرادة وتصديق الله ، بخلاف القرآن فإنّه ادّعى كلّ واحد من العرب الإتيان بمثله ولا أقلّ من عدم العلم بعجز كلّ فرد من أفراد الإنسان من الإتيان بمثله من جهة البلاغة.
والجواب ـ مضافا إلى أنّها شبهة في مقابل البديهة ، وإنكار للضرورة ، ومغالطة وسفسطة ـ أوّلا : منع انحصار معجزة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم في القرآن ؛ لتظافر صدور معجزات أخر كإحياء الموتى ، وشقّ القمر ، والمعراج الجسمانيّ ، والإتيان بالشجر ، وحنين الجذع ، وتصحيح الأعور ، ونحوها ممّا ثبت بالنقل المعتبر كما لا يخفى على المتتبّع المستبصر.
وثانيا : أنّ فصحاء قحطان وبلغاء عدنان وغيرهم من العرب العرباء ، وأمثالهم من البلغاء ـ مع كمال عداوتهم وحرصهم على إبطال ما كان نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم يدّعيه وتحدّيه بإتيان سورة من مثله ـ عجزوا عن المقابلة بالحروف ، وبدّلوها بالمقاتلة بالسيوف ، واختاروا ارتكاب المشقّة ، وإتلاف أموالهم وأنفسهم ، وإلقائهم في التهلكة.
__________________
(١) كذا في الأصل ، والأولى حذفها.