في أبصارنا ومسامعنا ، فو الله ما يقدر على احتمال هذا السرّ والقدرة ، فلمّا جرّه بين يديه قام وقال : وا ويلاه من ظلم آل محمّد صلىاللهعليهوآله وا ويلاه من اجترائي عليهم ، ثمّ قال : يا سيّدي ارحمني فإنّي لا أحتمل هذا العذاب ، فقال صلىاللهعليهوآله : « لا رحمك الله ولا غفر لك أيّها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان ».
ثمّ التفت إلينا وقال صلوات الله عليه : « أنتم تعرفون هذا باسمه وحسبه؟ » قلنا : لا يا أمير المؤمنين ، فقال صلوات الله عليه : « سلوه حتّى يخبركم من هو؟ » فقالوا : من أنت؟ فقال : أنا إبليس الأبالسة وفرعون هذه الأمّة ، أنا الذي جحدت سيّدي ومولاي أمير المؤمنين عليهالسلام وخليفة ربّ العالمين وأنكرت آياته ومعجزاته.
ثمّ قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « يا قوم غمّضوا أعينكم » ، فغمّضنا أعيننا فتكلّم صلوات الله عليه بكلام أخفى فإذا نحن في الموضع الذي كنّا فيه لا قصور ولا ماء ولا غدران ولا أشجار.
قال الأصبغ بن نباتة رضياللهعنه : والذي أكرمني بما رأيت من تلك الدلائل والمعجزات ما تفرّق القوم حتّى ارتابوا وشكّوا ، وقال بعضهم : سحر وكهانة وإفك ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ بني إسرائيل لم يعاقبوا ولم يمسخوا إلاّ بعد ما سألوا الآيات والدلالات فقد حلّت عقوبة الله بهم والآن حلّت لعنة الله فيكم وعقوبته عليكم » ، قال الأصبغ بن نباتة رضياللهعنه : إنّي أيقنت أنّ العقوبة حلّت بتكذيبهم الدلالات والمعجزات (١).
[٣٦] ومنها : ما روي عن عمّار بن ياسر قال : كنت عند أمير المؤمنين عليهالسلام جالسا بمسجد الكوفة ولم يكن سواي أحدا فيه وإذ هو يقول : « صدّقيه صدّقيه » ، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا ، فبقيت متعجّبا ، فقال لي : « يا عمّار ، كأنّي بك تقول : لم يتكلّم عليّ » ، فقلت : هو كذلك يا أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : « ارفع رأسك » ، فرفعت رأسي وإذا أنا بحمامتين ، يتجاوبان ، فقال لي : « يا عمّار ، أتدري ما تقول إحداهما للأخرى؟ »
__________________
(١) « بحار الأنوار » ٤٢ : ٥٣ ـ ٥٥.