تكلّم من الله ، وصاحب الشريعة المستقلّة ، والأحكام التي هي مباينة لأحكام موسى في الجملة ، حتّى تكون أحكاما على حدة ـ كما يستفاد من الآيات المذكورة ـ وهو نبيّنا محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ إذ ليس من بني إسماعيل نبيّ مثل موسى في الرتبة والشريعة المستقلّة غيره صلىاللهعليهوآلهوسلم بالبديهة ، كما تشهد به التواريخ والأخبار المتكاثرة.
واحتمال كون ذلك النبيّ الموعود ممّن يجيء بعد ذلك ـ مع أنّ النصراني المعارض لا يقول به وهو إبطال له ـ مدفوع بأنّ ذلك النبيّ لو كان غير نبيّنا وكان نبيّنا كاذبا لوجب على الله إبطاله ، فعدم الإبطال يوجب إبطال ذلك الاحتمال.
كما حكي عن كتاب أرمياء ، في الفصل الثامن والعشرين : أنّ صباه بن عزور ـ الذي كان نبيّا صدّيقا ـ افترى على الله أنّه رفع ما أوعد من غلّ بخت نصّر على أعناقهم ، فأمر أرمياء بتكذيبه ، وأنّه يموت في تلك السنة ، ومات (١). مع أنّ وجود العلامة ـ أعني الإخبار بالغيب مع وقوعه بعد الإخبار ـ يقتضي الحقّيّة وبطلان ذلك الاحتمال.
وبهذا يظهر جواب آخر عن أصل السؤال ، فإنّ إثبات شيء لشيء لا ينفيه عمّا عداه ، فبعد وجود الإخبار بالغيب على وجه التطابق للواقع يحكم بحقّيّة المخبر كائنا من كان ، بحكم الآيات المذكورة في التوراة.
وثانيا : إنّه ورد في الفصل الرابع والثلاثين آخر فصول السفر الخامس ـ آخر التوراة الأصليّة ـ ما يدلّ على أنّه لا يجيء في بني إسرائيل نبيّ مثل موسى في الرتبة والتكلّم معه بلا واسطة (٢). فيجب أن يكون ذلك النبيّ المماثل لموسى عليهالسلام في الرتبة والتكلّم معه بلا واسطة من غير بني إسرائيل ، أو من إخوتهم ، وهو نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم والآية المشار إليها بالخطّ العبري الذي يكتب به التوراة هذه الآية وبالخطّ العربي الذي يكتب به القرآن هذه : « ولأقام نابي عودد باسرائيل كموشه أشر يدا عو أدوناي پانيم
__________________
(١) « العهد العتيق » ، كتاب إرميا ، الباب ٢٨ ، الآية ١٥.
(٢) « العهد العتيق » : السفر الخامس ( تثنية ) ، الباب ٣٤ ، الآية ١٠.