وكذا الإخبار الغيبي الاستقباليّ بالنسبة إلى أهل الروم بقوله تعالى : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (١). إلى غير ذلك من الأخبار الغيبيّ الاستقباليّ الذي يعدّ أخباره واقعا ، كما يشهد به التتبّع والاستقراء في التواريخ والأفواه على وجه التكاثر والتواتر.
فإن قلت : مقتضى قوله تعالى : « ميقرب أخهم » ـ أي : من بين إخوتهم ـ أنّ ذلك النبيّ لا بدّ أن يكون سبطا من أسباط بني إسرائيل ، وهو عيسى الذي كان من بني إسرائيل.
قلت أوّلا : إنّ الضمير عائد إلى بني إسرائيل ، وعيسى عليهالسلام كان منهم ومن أولاد يهودا لا من إخوتهم ، فإن كان هو المراد لزم أن يقول : منهم ، كما قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) (٢).
فلا يمكن أن يقال : إنّ النبيّ الموعود الذي يوجد الله كلامه في فيه وله الأحكام المستقلّة المخالفة لأحكام موسى عليهالسلام هو عيسى عليهالسلام أو سيجيء من بني إسرائيل.
ويشهد على ذلك قوله : « م اخحا » فإنّه جعل جميع بني إسرائيل في حكم الواحد وأضيف إليهم ما هو بمعنى الإخوة ، فيستفاد منه أنّه لا بدّ أن يكون ذلك النبيّ من غير بني إسرائيل كما لا يخفى على من له أدنى إدراك وإنصاف.
فتعيّن أن يكون هو نبيّنا محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي هو من أولاد إسماعيل الذي هو أخ لإسحاق ، الذي هو أب ليعقوب الملقّب بإسرائيل ؛ لتولّدهما من إبراهيم الخليل.
والحاصل : أنّ كلّ من تولّد من إسرائيل سمّوا ببني إسرائيل ، وكلّ من تولّد من إسماعيل سمّوا ببني إسماعيل ، فالنبيّ الموعود الذي وعدنا الله أن يبعثه من إخوة بني إسرائيل ـ لا منهم ـ لا بدّ أن يكون من بني إسماعيل ويكون كموسى صاحب
__________________
(١) الروم (٣٠) : ١ ـ ٤.
(٢) الجمعة (٦٢) : ٢.