يفعل الشرّ بالناس فلا ينكر الشرّ إذا فعل به ، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع ، وليس يحصد أحد من المرّ حلوا ، ولا من الحلو مرّا » فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.
أقول : ما أبلغها عظة وما أصدق التمثيل ، غير أن النفوس طبعت على السوء وحبّ الاعتداء والغلبة فتعمى عن مثل هذه الآثار ، وإلاّ كيف يأمل أحد أن يحصد الحلو من المرّ والخير من الشرّ ، وهو نفسه لا يجازي المسيء بالإحسان والظلم بالصفح ، فكيف يرجو أن يكافأ وحده بغير ما يعمل دون الناس؟
ودخل عليه زياد القندي (١) فقال عليهالسلام له : يا زياد ولّيت لهؤلاء؟
قال : نعم يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لي مروّة ، وليس وراء ظهري مال ، وإنّما اواسي اخواني من عمل السلطان ، فقال عليهالسلام : يا زياد أما اذا كنت فاعلا ذلك ، فاذا دعتك نفسك الى ظلم الناس عند القدرة على ذلك فاذكر قدرة الله عزّ وجلّ على عقوبتك ، وذهاب ما أتيت إليهم عنهم ، وبقاء (٢) ما أتيت الى نفسك عليك والسلام (٣).
أقول : إن الوالي معرّض للظلم ، ولكن الله تعالى أقدر على عقوبة الظالم والانتصاف منه ، ويستطيع أن يذهب عن المظلوم الظلامة وإرجاعها على الظالم ، فلو أن الانسان ساعة يريد الظلم يخطر هذه الحقائق بباله لكفّ عمّا أراد ،
__________________
(١) ابن مروان القندي الأنباري بقى الى أيام الرضا عليهالسلام وذهب الى الوقف ، كان وكيلا للكاظم عليهالسلام وتخلّفت عنده أموال كثيرة بسبب حبس الكاظم فطالبه الرضا بالمال بعد أبيه كما طالب علي بن أبي حمزة وعلي بن عيسى فقالوا بالوقف طمعا بالمال على أن زيادا ممّن روى النصّ على الرضا وهو ثقة في الرواية.
(٢) ذهاب وبقاء معا معطوفان على عقوبتك ، فالتقدير وعلى ذهاب وعلى بقاء.
(٣) مجالس الشيخ الطوسي طاب ثراه ، المجلس / ١١.