منعوك ، وستعلم من الرابح غدا ، والاكثر حسدا؟ ولو ان السموات والارض كانتا على عبد رتقا ، ثم اتقى الله لجعل الله منهما مخرجا ، لا يؤنسنك إلا الحق ، ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم لأحبوك ، ولو قرضت منها لآمنوك .. »
وحدد الامام ـ بهذه الكلمات الرائعة ـ الموقف الرهيب الذي وقفه أبو ذر من عثمان فانه لم يكن من اجل المادة ، ولا من اجل سائر الاعتبارات الاخرى التي يئول امرها الى التراب ، وانما كان من أجل المبادئ الاصيلة والقيم العليا التي جاء بها الاسلام وهي تهيب بالحاكمين والمسئولين أن لا يستأثروا بأموال المسلمين ، وقد جافى عثمان ذلك ، وانتهج سياسة خاصة بنيت على الاستغلال والإثرة ، فلهذا ثار أبو ذر في وجهه وناجزه ، وقد خافه عثمان على ملكه وسلطانه ، وخافه أبو ذر على دينه وعقيدته ، وقد امره الامام ان يترك ما بأيديهم ، ويهرب بدينه ليكون بمنجاة من شرور القوم وآثامهم.
وبيّن عليهالسلام ـ فى كلماته ـ اتجاه ابي ذر وميوله ، فانه لا يؤنسه إلا الحق ، ولا يوحشه إلا المنكر والباطل ولو انه غيّر اتجاهه فسالم القوم ووادعهم لأحبوه واخلصوا له ، وأجزلوا له العطاء ، ومنحوه الثراء.
وبادر إليه الامام الحسن فصافحه وودعه ، وألقى عليه كلمات تنم عن قلب موجع لهذا الفراق قائلا :
« يا عماه. لو لا انه ينبغي للمودع أن يسكت ، وللمشيع ان ينصرف لقصر الكلام وإن طال الاسف ، وقد اتى القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها ، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتى تلقى نبيك ، وهو عنك راض .. »