وأبو ذر أعظم شخصية عرفها التأريخ الاسلامى فقد تجسدت فيه جميع طاقات الاسلام ، وعناصره ومقوماته ، ووعى حقيقة الاسلام ، وتغذى بجوهره وواقعه ، وهو اقدم من سبق الى اعتناقه والايمان به (١) وجهر بالشهادتين أمام قريش فانبرت إليه عتاتهم فأوجعوه ضربا ، والهبوا جسمه بالسياط حتى كاد أن يتلف (٢) ولم يثنه ذلك فقد انطلق كالمارد الجبار يدعو قومه الى الاسلام ، وهجر الاوثان ، وكان من ابرز الصحابة في علمه وورعه وتقواه وزهده وتحرجه في الدين ، وقد أثر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال فيه :
« ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة اصدق من أبي ذر ، من سره أن ينظر الى زهد عيسى بن مريم فلينظر الى ابي ذر .. » (٣)
لقد كان ازهد الناس فى الدنيا ، وأقلهم احتفالا بمنافعها ، وأشدهم خوفا من الله وانصرافا عن اباطيل الحياة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأتمنه حين لا يأتمن أحدا ، ويسر إليه حين لا يسر الى احد (٤) وهو أحد الثلاثة الذي أحبهم الله ، وامر نبيه بحبهم (٥) كما انه احد
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٤ / ١٦١ ، وجاء فيه عن ابي ذر قال : كنت في الاسلام خامسا.
(٢) مسند الامام احمد ٥ / ١٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٢٩
(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٦٨
(٤) كنز العمال ٨ / ١٥
(٥) مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٠