وفيه : إن نفي التعذيب قبل إتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منّة منه تعالى على عباده ، مع استحقاقهم لذلك ، ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية ، لما صح الاستدلال بها إلّا جدلا ، مع وضوح منعه ، ضرورة أن ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم مما علم بحكمه ، وليس حال الوعيد بالعذاب فيه إلّا كالوعيد به فيه ، فافهم.
______________________________________________________
الحكم والتكليف كونه داعيا للعباد إلى العمل بعد وصوله إليهم ، وكذا لم تكن دعواه أن مفادها التكليف غير الواصل إلى شخص لم يجعل في حقه ، بل جعل في حق من وصل إليه خاصة ؛ لأنّ هذا الاختصاص في الجعل أمر غير معقول ، حيث إن لازمه أخذ العلم وبيان التكليف في موضوع ذلك التكليف ، ومع ذلك لا يرتبط بالبراءة ، بل المتمسك بها للبراءة يدعي أن المراد من نفي التكليف السؤال عن العمل به والمؤاخذة على مخالفته والمؤاخذة والسؤال عن العمل يكون في حقّ من وصل إليه ذلك التكليف ، وفي هذا المفاد تكون (ما) الموصولة مفعولا به (ما آتاها) بمعنى أعلمها أو معنى يدخل فيه الإعلام والإبلاغ ، والجواب عن هذا الاستدلال يتعين في أمرين ، الأول : أن ظاهر (آتاها) بمعنى أقدرها لا أعلمها وهذا المعنى لا يدخل فيه الإعلام ، والثاني : أن عدم السؤال عن تكليف وعدم المؤاخذة على مخالفته مع عدم إعلامه وبيانه تأكيد للبراءة العقلية المعبّر عنها بقبح العقاب بلا بيان ، وقد تقدم أنها لا تفيد في مقابل دعوى الأخباري وصول البيان بأمر الشارع بالتوقف في الشبهات عن الارتكاب والأمر بالاحتياط فيها.
ومما ذكر يظهر أن الآية أظهر في الدلالة على البراءة العقلية من آية (ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) فإن الأخبار بعدم المؤاخذة تعم كل مكلف بخلاف الآية السابقة فإنها كانت بالإضافة إلى العذاب الدنيوي في الامم السابقة.