ما ذكره آنفا من أنّ المقام يكون من قبيل رفع اليد عن الواقعيّات لجهة اللابديّة ومزاحمة الفاسد والأفسد في مقام الإجراء ؛ إذ مع المخصّصات والمقيّدات يكشف عدم وجود الإرادة الجدّيّة في العمومات أو المطلقات ، هذا بخلاف تقديم الأمارات على الواقعيّات من باب اللابدّيّة ومزاحمة الفاسد أو الأفسد في مقام الإجراء.
والأولى هو تنظيره بالقوانين التي لم تصل بأيدي الناس من جهة اشتباه الوسائط أو دسهم أو منع مانع أو غير ذلك فإنّها ، باقية على الشأنيّة ، وإنّما المرفوع هو الفعليّة عندهم ، فليكن كذلك في القوانين الشرعيّة.
فإذا عرفت ذلك فقد اتّضح أنّه مع قيام الأمارة المعتبرة وإصابتها ليس في متن الواقع إلّا الحكم الواقعيّ ، بل الأمر كذلك عند المخالفة أيضا ؛ إذ ليس من ناحية قيام الأمارة مع فرض إرشاديتها حكم حتّى يستلزم ملاكا آخر ويحصل من هذه الناحية التضادّ أو المناقضة بين الخطابين أو الملاكين او يلزم التكليف بالمحال عند طلبهما مع اختلافهما.
وأمّا مسألة التفويت فقد عرفت أنّه لا مانع منه بعد تزاحمه بما هو أفسد. وهذا هو أمر ينتهي إليه العقلاء أيضا في قوانينهم ؛ فإنّهم مع جعلهم القوانين يرخّصون في مخالفتها لمن جهل بها جهلا قصوريّا من دون تغيير للقانون الواقعيّ عمّا هو عليه.
والحاصل ـ كما أفاد السيّد المحقّق البروجردي قدسسره ـ : ليس في باب الأمارات جعل من قبل الشارع أصلا ، وإنّما هي طرق عقلائيّة دائرة بينهم في مقام الاحتجاج واللجاج ، غاية الأمر أنّ عدم ردع الشارع عنها يكشف ذلك عن إمضائه ورضايته ، وليس للعقلاء أيضا في هذا الباب جعل للطريقيّة ونظائرها. (١)
وهذا الوجه هو الذي نقله شيخ مشايخنا الحاج الشيخ قدسسره عن سيّده الأستاذ
__________________
(١) نهاية الاصول ، ٤٥٨.