نظر ما دام القطع موجودا عند القاطع وعدم إصابته بالنسبة إلى الواقع لا يجعل القطع غير كاشف بل هو في عين كاشفيّته يكون جهلا مركّبا والكاشفيّة المذكورة تكون من ذاتيّات القطع ولا يمكن فرض وجود القطع مع عدمها وإلّا لزم الخلف في كونه ذاتيّا له كما لا يخفى.
الجهة الثانية : أنّ القطع بعد ما عرفت من كونه عين الطريقيّة والكاشفيّة هل تكون حجّيّته ذاتيّة أم لا؟
هنا أقوال :
أحدها : ما في الكفاية من أنّ حجّيّة القطع من اللوازم حيث قال : وتأثيره أي القطع في ذلك أي في تنجّز التكليف واستحقاق العقوبة على المخالفة لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم ، ولا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان. (١)
وتوضيح ذلك : أنّ استحقاق العقاب مترتّب بحكم العقل على مخالفة المولى ؛ لكون المخالفة هتك لحرمته ، فالسبب للاستحقاق المذكور هي مخالفة التكليف ، ولكن من المعلوم أنّ مخالفة التكليف المجهول لا توجب استحقاق العقاب بحكم العقل بل الشرط في تاثيرها في ذلك هو القطع بالتكليف وانكشافه له ، فالقطع شرط في تأثير المخالفة في حكم العقل باستحقاق العقوبة ، فهذا الشرط كسائر الشروط التكوينيّة لا يتوقّف تأثيره على شىء آخر غير وجود المقتضي ، فإذا انضمّ إلى المقتضي فالتأثير لازم قهرا كما لا يخفى (٢).
وذلك ممّا يشهد به الوجدان ، ولا يتوقّف تأثير القطع في التنجيز على جعل عقلائيّ أو شرعيّ ، بل القطع والكشف يجعل المخالفة المذكورة التي هي هتك لحرمة
__________________
(١) الكفاية ٢ : ٨.
(٢) راجع نهاية الدراية ٢ : ٥.