واجيب عنه ـ كما في تهذيب الاصول ـ : بأنّ المفاسد المذكورة كمفاسد إيجاب الاحتياط كلا أو بعضا صارت موجبة لرفع اليد في مقام الفعليّة عن الأحكام الواقعية وحملها على الشأنيّة في حقّ من قامت الأمارة أو الاصول على خلافها ، وليس هذا أمرا غريبا منه ، بل هذا نظام كلّ مقنّن ؛ إذ في التحفّظ التامّ على الواقعيّات من الأحكام مفسدة عظيمة لا تجبر بشيء أيسرها خروج الناس من الدين ورغبتهم عنه وتبدّد نظام معاشهم ومعادهم ، فلأجل هذا كلّه رفع اليد عن إجراء الأحكام في الموارد التي قامت الأمارة أو الأصل على خلافها. وليس هذا من قبيل قصور مقتضيات الأحكام وملاكاتها في موارد قيام الأمارات والاصول على خلافها حتّى يتقيّد الأحكام الواقعية بعدم القيام ، بل من قبيل رفع اليد لجهة اللابديّة ومزاحمة الفاسد والأفسد في مقام الإجراء.
ودعوى : أنّ كلّيّة الأحكام مع فرض قيام الأمارة أو الأصل على خلافها من أوّل زمن تشريعها لغو.
مندفعة : بما أفاده سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره من أنّه لا محالة ينكشف الخطا ولو عند ظهور الدولة الحقّة.
والحاصل : أنّ ملاحظة تقنين القوانين العرفيّة كافية في إثبات ما قلناه ؛ فإنّ الدائر بينهم هو وضع الأحكام أوّلا بنحو العموم والإطلاق ثمّ بيان مخصّصاتها ومقيّداتها منفصلا عنها من دون أخذ ما هو الملاك بحسب الإرادة الجدّيّة في موضوع الأحكام من أوّل الأمر. وأنت إذا تدبّرت تعرف أنّ هذا الجواب سيّال في موارد الأمارات والاصول إذا كانت مخالفة للواقع (١).
ولقد أفاد وأجاد ، إلّا أنّ تنظير المقام بباب المخصّصات والمقيّدات لا يساعد
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٦٨ ـ ٧٠.