الواقعيّات على المكلّف ولو في النادر من دون تداركه بشيء. وعليه فالتعبّد بالأمارات إرشادا إلى الواقع مع انفتاح باب العلم ، وبقاء الواقعيّات على الإرادة الجدّيّة يستلزم تفويت الواقعيّات ولو في الجملة ، ومعه لا يجوز التعبّد بالأمارات الموجبة للتفويت المذكور ؛ لأنّه قبيح ، كما لا يخفى (١).
وفيه : أنّ ما ذكره الشيخ تامّ فيما إذا لم يكن تحصيل الواقعيات مستلزما للأفسد ، وإلّا فلا إشكال في التعبّد بغير العلم كما لا يخفى. قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره : إنّ الزام الناس في زمان الانفتاح على العمل بالعلم والسؤال عن ائمّتهم عليهمالسلام يوجب ازدحام الشيعة على بابهم وتجمّعهم حول دارهم وكان التجمّع المذكور حول الإمام أبغض شيء عند الخلفاء وكان موجبا للقتل والهدم وغيرهما ممّا لم يبق معه مجال لنقل شيء من الأحكام الموجودة التي تكون بأيدينا ، كما أنّه لا مجال لوجوب الاحتياط لكون فساده أظهر ؛ لاستلزامه اختلال النظام أو الحرج الشديد ورغبة الناس عن الدين ، فلأجل هذا أمضى الشارع عمل العقلاء وبناءهم في العمل بالظنون وأخبار الآحاد بمقدار يؤسّس لهم نظاما صحيحا ولو مع انفتاح باب العلم ، وهذا وإن استلزم فسادا وتفويتا غير أنّه في مقابل إعراض الناس عن الدين وخروجهم منه وقلّة المتديّنين به وفي قبال هدم الشيعة وأساسها لا يعدّ إلّا شيئا طفيفا يستهان به. (٢)
ربّما يشكل ذلك بأنّ الإرادة القطعيّة قد تعلّقت بالعمل على الأحكام الواقعيّة ، والمفروض أنّ الأمارات قد تؤدّي إلى خلاف الواقع ، فإيجاب التعبّد بها والترخيص بالعمل بها مع فعليّة الإرادة المتعلّقة بالأحكام الواقعيّة ممّا لا يجتمعان.
__________________
(١) فرائد الاصول : ٢٦ ـ ٢٧ ط ـ قديم.
(٢) تهذيب الاصول ٢ : ٦٢ ـ ٦٣.