وهو ممّا يشهد على أنّ الخطابات القرآنيّة إنشائيّة كالتكاليف الإنشائيّة وتصير فعليّة فيما إذا كان المخاطب موجودا وحاضرا وملتفتا وبقيت على الإنشائيّة فيما إذا لم يكن المخاطب موجودا وحاضرا وملتفتا إلى أن يصير كذلك وبالجملة فالموضوع كالمتعلّق مأخوذ في القضيّة الحقيقيّة كلّيّا وهو من وجد وحضر والتفت.
فتحصّل أنّ الخطابات الإنشائيّة متصوّرة بل لعلّها شائعة في الخطابات الكتبيّة إلى كلّ من يرى الكتابة كما ترى أنّ المؤلّفين كانوا يخاطبون كثيرا من يقرأ كتابهم بقولهم فاعلم وفافهم واعلم أيّدك الله وغير ذلك.
ثمّ دعوى لزوم تنزيل المعدوم وغير الحاضر منزلة الموجود الحاضر في الخطابات الإنشائيّة كما ترى إذ لا حاجة إلى ذلك بعد كون المتفاهم من أدوات الخطاب الإنشائي هو إظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداعي تفهيم المخاطب في ظرف وجوده عند التفاته وعليه فلا مانع من شموله للغائبين والمعدومين كما أنّه هو المتعارف في الخطابات الكتبيّة مثل قول المؤلّف اعلم أيّدك الله تعالى في الدارين فإنّ المتكلّم في مثل هذا الكلام يخاطب كلّ من يكون قارئا في ظرف وجوده وقراءته لمكتوبه ثمّ لا ينافي عموميّة الحاضر المنادى أو المخاطب كون أدوات النداء موضوعة لايجاد النداء لا لمفهومه أو كون المخاطبة نحو توجّه إلى الحاضر توجّها جزئيّا مشخّصا.
اذ جزئيّة النداء لا تنافي كلّيّة المنادى كما أنّ جزئيّة البعث لا تنافي كلّيّة المبعوث إليه.
وعليه فالحقّ هو التفصيل بين الخطاب الحقيقيّ الفعلي والخطاب الإنشائي واختيار عدم الإمكان في الأوّل دون الثاني.
وإليه ذهب شيخنا الأراكي قدسسره تبعا لشيخه الحائري قدسسره حيث قال والحقّ عدم جواز تكليف المعدوم فعلا وفي حال عدمه كما لا يصحّ مخاطبته بغرض التفهيم الفعلي.