متفاوت (وَالَّذِي قَدَّرَ) ما شاء (فَهَدى) (٣) إلى ما قدره من خير وشر (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤) أنبت العشب (فَجَعَلَهُ) بعد الخضرة (غُثاءً) جافا هشيما (أَحْوى) (٥) أسود يابسا (سَنُقْرِئُكَ) القرآن (فَلا تَنْسى) (٦) ما تقرؤه (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن تنساه بنسخ تلاوته وحكمه ، وكان صلىاللهعليهوسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل خوف النسيان ، فكأنه قيل له : لا تعجل بها إنك لا تنسى فلا تتعب نفسك بالجهر بها (إِنَّهُ) تعالى (يَعْلَمُ الْجَهْرَ) من القول والفعل (وَما يَخْفى) (٧) منهما
____________________________________
والموصوف بصفة غيره ، نظير قولك جاءني غلام هند العاقل الحسنة : وهو ممتنع ، فإن جعل الموصول نعتا مقطوعا جاز.
قوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) جواب عن سؤال مقدر ، كأنه قيل : الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد معرفة المولى ، فما الدليل على وجوده؟ فأجاب بما ذكر ، ومفعول (خَلَقَ) مخذوف ، أي كل شيء. قوله : (متناسب الأجزاء) الخ ، أي فجعله معتدل القامة تام المنافع. قوله : (وَالَّذِي قَدَّرَ) مفعوله محذوف قدره بقوله : (ما شاء) أي من أنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها ، وغير ذلك من أحوالها. قوله : (فَهَدى) أي أرشد ما قدره لمصالحه ، فهدى الإنسان ودله على سبيل الخير والشر ، وهدى الأنعام لمراعيها ، وجميع الدواب لمعاشها ومصالحها.
قوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) أي ما يرعى كالحشيش ونحوه. قوله : (غُثاءً) بضم الغين والمد من باب قعد ، وهذا مثل ضربه الله للكفار ، بذهاب الدنيا بعد نضارتها. قوله : (أَحْوى) نعت لثغاء ، وهو ما يشير له المفسر ، وقوله : (أسود باليا) أي بعد وصفه بالغثاء ، يكون أسود باليا ، كما هو العادة في الزرع الجاف إذا تقادم ، ويطلق الأحوى على الأسود الذي يضرب الخضرة أو الأخضر الذي يضرب إلى السواد ، وعليه فيكون حالا من المرعى ، والأصل : أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء ، والفاء لمجرد الترتيب ، والمعنى : فمضت مدة فجعله الخ ، إذ لا يصير غثاء عقب إخراجه ، بل بعده بمدة.
قوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) بيان لهداية الله تعالى الخاصة برسوله ، إثر بيان هدايته لجميع الخلق ، وهذه الآية تدل على المعجزة من وجهين ، الأول : الإخبار من الله تعالى بما يحصل في المستقبل الثاني : كونه يحفظ هذا الكتاب العظيم من غير دراسة ولا تكرار ولا ينساه أبدا. قوله : (فَلا تَنْسى) (ما تقرؤه) أي منسوخا أو غيره ، ليظهر كون الاستثناء متصلا ، وقوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) استثناء مفرغ. قوله : (بنسخ تلاوته وحكمه) الباء سببية ، والمعنى : أن نسخ تلاوته وحكمه معا ، سبب في جواز نسيانك له ، وأما ما نسخت تلاوته فقط أو حكمه فقط فلا ينساه ، للاحتياج إلى تبليغ حكمه أو تلاوته. قوله : (فكأنه قيل) إلخ أي فهو نظير قوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).
قوله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ) الخ ، تعليل لما قبله ، جيء به تسلية له صلىاللهعليهوسلم كأنه قيل : لا تخش ضياع ما ألقي عليك ، فإنه تعالى يعلم الجهر وما يخفى ، ومنه : ما ألقي عليك فيثبت في فؤادك ما ينفع ، وصنيع المفسر يقتضي أنه تعليل لمحذوف قدره بقوله : (فلا تتعب نفسك). قوله : (وَما يَخْفى) ما اسم موصول ، وعائده محذوف ، ولا يصح أن تكون مصدرية ، لئلا يلزم خلو الفعل عن فاعل ، ولا يقال يجعل ضميرا ، لأنا نقول : يمنع منه عدم وجوده وما يعود عليه.