باب من الاستثناء
(ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتب إلّا أمانىّ) [الآية : ٧٨] منصوبة لأنه مستثنى ليس من أول الكلام ، وهذا الذي يجيء في معنى «لكن» خارجا من أول الكلام إنما يريد «لكن أمانيّ» و «لكنّهم يتمنّون». وإنما فسرناه ب «لكن» لنبين خروجه من الأول. ألا ترى أنك إذا ذكرت «لكن» وجدت الكلام منقطعا من أوله ، ومثل ذلك في القرآن كثير منه قوله عزوجل (وما لأحد عنده من نّعمة تجزى) (١٩) [الليل : ١٩] (إلّا ابتغاء وجه ربّه) [الليل : الآية ٢٠] وقال (ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظّنّ) [النّساء : الآية ١٥٧] وقال (فلو لا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلا) [هود : ١١٦] يقول : «فهلّا كان منهم من ينهى» ثم قال : «ولكن قليلا منهم من ينهى» ثم قال «ولكن قليل منهم قد نهوا» ، فلما جاء مستثنى خارجا من الأول انتصب.
ومثله (فلو لا كانت قريةءامنت فنفعها إيمنها إلّا قوم يونس) [يونس : الآية ٩٨] يقول «فهلا كانت» ثم قال : «ولكنّ قوم يونس» ف «إلا» تجيء في معنى «لكنّ». وإذا عرفت أنها في معنى «لكن» فينبغي أن تعرف خروجها من أوله. وقد يكون (إلّا قوم يونس) [يونس : الآية ٩٨] رفعا ، تجعل «إلّا» وما بعده في موضع صفة بمنزلة «غير» كأنه قال : «فهلا كانت قرية آمنت غير قرية قوم يونس» ومثلها (لو كان فيهماءالهة إلّا الله لفسدتا) [الأنبياء : الآية ٢٢] فقوله (إلّا الله) [البقرة : الآية ٨٣] صفة ولو لا ذلك لانتصب لأنه مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام. وكل مستثنى مقدم يجوز إلقاؤه من الكلام نصب ، وهذا قد يجوز إلقاؤه فلو قلت : «لو كان فيهما آلهة لفسدتا» جاز ، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله : «ما مرّ بي أحد إلّا زيدا مثلك». قال الشاعر فيما هو صفة : [الطويل]
٩٤ ـ أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة |
|
قليل بها الأصوات إلّا بغامها (١) |
وقال : [الوافر]
__________________
(١) البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٠٠٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤١٨ ، ٤٢٠ ، والدرر ٣ / ١٦٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٤٢ ، والكتاب ٢ / ٣٣٢ ، ولسان العرب (بلد) ، و (بغم) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٣٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٨ ، ٣٩٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٢٩ ، وكتاب العين ٨ / ٤٢.