أن بلحارث بن كعب يجعلون الياء في أشباه هذا ألفا فيقولون : «رأيت أخواك» و «رأيت الرجلان» و «أوضعته علاه» و «ذهبت إلاه» فزعموا أنه على هذه اللغة بالتثقيل تقرأ. وزعم أبو زيد (١) أنه سمع أعرابيا فصيحا من بلحارث تقول : «ضربت يداه» و «وضعته علاه» يريد : يديه وعليه. وقال بعضهم (إن هذين لساحران) وذلك خلاف الكتاب. قال الشاعر : [الرجز]
٩٣ ـ طاروا عليهن فشل علاها |
|
واشدد بمثنى حقب حقواها |
ناجية وناجيا أباها (٢) |
وأمّا «أن» الخفيفة فتكون زائدة مع «فلمّا» و «لمّا» قال (فلمّا أن جاء البشير) [يوسف : الآية ٩٦] وإنما هي «فلمّا جاء البشير» وقال (ولمّا أن جاءت رسلنا) [العنكبوت : الآية ٣٣] يقول «ولمّا جاءت» وتزاد أيضا مع «لو» يقولون : «أن لو جئتني كان خيرا لك» يقول «لو جئتني». وتكون في معنى «أي» قال (وانطلق الملا منهم أن امشوا) [ص : ٦] يقول «أي امشوا». وتكون خفيفة في معنى الثقيلة في مثل قوله (أن الحمد لله) [يونس : الآية ١٠] و (أن لعنة الله عليه) [النور : ٧] على قولك «أنه لعنة الله» و «أنه الحمد لله». وهذه بمنزلة قوله (أفلا يرون ألّا يرجع إليهم قولا) [طه : ٨٩] و (وحسبوا ألّا تكون فتنة) [المائدة : ٧١] ولكن هذه إذا خففت وهي إلى جنب الفعل لم يحسن إلا أن معها «لا» حتى تكون عوضا من ذهاب التثقيل والإضمار.
ولا تعوض «لا» في قوله (أن الحمد لله) [يونس : الآية ١٠] لأنها لا تكون ، وهي خفيفة ، عاملة في الاسم. وعوّضتها «لا» إذا كانت مع الفعل لأنهم أرادوا أن يبيّنوا أنها لا تعمل في هذا المكان وأنها ثقيلة في المعنى. وتكون «أن» الخفيفة تعمل في الفعل وتكون هي والفعل اسما للمصدر ، نحو قوله (على أن نّسوّى بنانه) [القيامة : الآية ٤] إنما هي «على تسوية بنانه».
__________________
(١) أبو زيد : هو سعيد بن أوس الأنصاري ، تقدمت ترجمته.
(٢) يروى الرجز بلفظ :
نادية وناديا أباها |
|
طاروا علاهنّ فطر علاها |
والرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٦٨ ، وله أو لأبي النجم ، أو لبعض أهل اليمن في المقاصد النحوية ١ / ١٣٣ ، ولبعض أهل اليمن في خزانة الأدب ٧ / ١٣٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٢٨ ، وبلا نسبة في لسان العرب (طير) ، (علا) ، (نجا) ، وخزانة الأدب ٤ / ١٠٥ ، والخصائص ٢ / ٢٦٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ٢٥٥ ، وشرح المفصّل ٣ / ٣٤ ، ١٢٩ ، وتاج العروس (قلص).