(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فإنّ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمّى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنّة ، فذلك قوله عزوجل من تسليم الملائكة عليهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنّة والنظر إلى ما وعدهم ربّهم فذلك قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وإنّما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وأمّا قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ، فهو كما قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعني لا تحيط به الاوهام (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربّنا نفسه تبارك وتعالى وتقدّس علوّا كبيرا ، وقد سأل موسى عليهالسلام وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب ، فقال الله تبارك وتعالى : (لَنْ تَرانِي) في الدّنيا حتّى تموت فتراني في الآخرة (وَلكِنِ) إن أردت أن تراني في الدّنيا فانظر (إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) فأبدى الله سبحانه بعض آياته وتجلّى ربّنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) يعني ميتا فكان عقوبته الموت ثمّ أحياه الله وبعثه وتاب عليه ، فقال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أوّل مؤمن آمن بك منهم أنّه لن يراك ، وأمّا قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) يعني محمد (ص) كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله وقوله في آخر الآية : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) رأى جبرئيل (ع) في صورته مرّتين هذه المرّة ومرّة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل عظيم ، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلّا الله ربّ العالمين.
وأمّا قوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً