الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم ، ولتصدّعت قلوبهم إلّا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدّم ، ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ، ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عزوجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فيستنطقون فلا يتكلمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ، فيقول الرّسل صلّى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن فذلك قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد (ص) وهو المقام المحمود ، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثمّ يثني على الملائكة كلّهم فلا يبقى ملك إلّا أثنى عليه محمد (ص) ثمّ يثني على الرّسل بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثمّ يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصدّيقين والشهداء ثمّ بالصالحين ، فيحمده أهل السماوات والأرض ، فذلك قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظّ ولا نصيب ، ثمّ يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كلّه قبل الحساب ، فإذا اخذ في الحساب شغل كلّ إنسان بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم ، قال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك يا أمير المؤمنين وحللت عنّي عقدة فعظّم الله أجرك.
فقال عليهالسلام : وأمّا قوله عزوجل : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) وقوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) وقوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فأمّا قوله :