القول الأول : أنها منسوخة ، ثم اختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين :
الأول : أنه أولها ، وهو قوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ، قالوا : وهذا يقتضي أن القتال إنما يباح في حق من قاتل من الكفار فأما من لم يقاتل فإنه لا يقاتل ولا يقتل.
ثم اختلف هؤلاء في ناسخ ذلك على أربعة أقوال :
الأول : أنه قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦].
والثاني : أنه قوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [البقرة : ١٩١].
والثالث : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٢٩].
والرابع : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥].
قلت : وهذا القول الذي قالوا ، وإنما أخذوه من دليل الخطاب ؛ إنما هو حجّة ما لم يعارضه دليل أقوى منه ، وقد عارضه ما هو أقوى منه ؛ كآية السّيف وغيرها مما يقتضي إطلاق قتل الكفار ، قاتلوا أو لم يقاتلوا.
فأما الآية الأولى التي زعموا أنها ناسخة فإنها تشبه المنسوخة وتوافقها في حكمها ، لأنها إنما تضمّنت قتال من قاتل.
وأما الآية الثانية ؛ فإنها إنما تضمّنت قتال الذين أمروا بقتالهم ؛ لأن قوله : (وَاقْتُلُوهُمْ) عطف على المأمور بقتالهم.
وأما الآية الثالثة ؛ فإنها تتضمّن قتال أهل الكتاب ، والآية التي ادّعي نسخها مطلقة في كل من يقاتل.
وأما الرابعة ؛ تصلح ناسخة لو وجدت ما تنسخه ، وليس هاهنا إلا دليل الخطاب ، وليس بحجة هاهنا على ما بيّنا.
القول الثاني : أن المنسوخ منها قوله : (وَلا تَعْتَدُوا) للمفسّرين في معنى هذا الاعتداء خمسة أقوال :
الأول : لا تعتدوا بقتل النساء والولدان ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد.
الثاني : بقتال من لم يقاتلكم ؛ قاله أبو العالية ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد.
وهؤلاء إن عنوا من لم يقاتل ، لأنه لم يعد نفسه للقتال كالنساء ، والولدان ،