قلت : هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه :
الأول : أنها شاذة خارجة عما اجتمع عليه المشاهير فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله (١).
والثاني : أنها تخالف ظاهر الآية ، لأن الآية تقتضي الإطاقة لقوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤] وهذه القراءة تقتضي نفيها.
والثالث : إن الذين يطيقون الصوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين (٢) :
الأول : من يعجز لمرض أو لسفر ، أو لشدة جوع أو عطش ، فهذا يجوز له الفطر ويلزمه القضاء من غير كفارة.
والثاني : من يعجز لكبر السّن ، فهل يلزمه الكفارة من غير قضاء؟ لم يلزمه القضاء والكفارة ، وقد يجوز الإفطار للعذر لا للعجز ، كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد ، وهذا كله ليس بمستفاد من الآية ، إنما المعتمد فيه على السنة وأقوال الصحابة.
فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى من الآية بالإحكام ، يدل على ما قلنا قوله تعالى في تمام الآية : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وغير جائز أن يعود هذا الكلام إلى المرضى والمسافرين ، ولا إلى الشيخ الكبير ، ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد ، لأن الفطر في حق هؤلاء أفضل من الصوم من جهة أنهم قد نهوا أن يعرضوا أنفسهم للتلف ، وإنما عاد الكلام إلى الأصحّاء المقيمين خيروا بين الصوم والإطعام فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام : لا تكون الآية على القراءة الثانية ، وهي : (يُطِيقُونَهُ) إلا منسوخة (٣).
ذكر الآية السادسة عشر:
قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة : ١٩٠] اختلف المفسرون في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة على قولين (٤) :
__________________
(١) انظر «الجامع لأحكام القرآن» (٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧) و «فتح الباري» (٨ / ٢٩).
(٢) انظر «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبيد (ص ٤٨).
(٣) «الناسخ والمنسوخ» لأبي عبيد (ص ٤٧).
(٤) انظر «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧) و «الجامع لأحكام القرآن» (٢ / ٣٤٧ ـ ٣٥٠) و «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص ٢٧ ـ ٢٨) و «الناسخ والمنسوخ» لعبد القاهر البغدادي (ص ٣١ ـ ٣٢) و «صفوة الراسخ» (ص ٥٥).