المفسرون : كانت هذه الكلمة لغة في الأنصار ، وهي من راعيت الرجل إذا تأملته وتعرفت أحواله ، ومنه قولهم : أرعني سمعك. وكانت الأنصار تقولها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي بلغة اليهود سبّ بالرعونة ، وكانوا يقولونها له وينوون بها السب ، فنهى الله سبحانه المؤمنين عن قولها لئلا يقولها اليهود ، وأمرهم أن يجعلوا مكانها أنظرنا (١). وقرأ الحسن والأعمش وابن المحيصن (راعنا) بالتنوين فجعلوه مصدرا ، أي : لا تقولوا رعونة (٢).
وقرأ ابن مسعود : (لا تقولوا راعونا) على الأمر بالجماعة ، كأنه نهاهم أن يقولوا ذلك فيما بينهم ، والنهي في مخاطبة النبي بذلك أولى. وهذه الآية قد ذكروها في المنسوخ ، ولا وجه لذلك بحال ، ولو لا إيثاري ذكر ما ادّعي عليه النسخ لم أذكرها. قال أبو جعفر النحاس : هي ناسخة لما كان مباحا قبله.
قلت : وهذا تحريف في القول ، لأنه إذا نهى عن شيء لم تكن الشريعة أتت به لم يسم النهي نسخا.
ذكر الآية السادسة :
قوله تعالى : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة : ١٠٩] قال المفسرون : أمر الله بالعفو والصفح عن أهل الكتاب قبل أن يؤمر بقتالهم ، ثم نسخ العفو والصفح بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [التوبة : ٢٩] هذا مروي عن ابن مسعود ، وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما (٣).
[١٦] (٤) ـ أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري قال : أخبرنا علي بن الفضل ، قال : أخبرنا عبد الصمد ، قال : أخبرنا ابن حموية ، قال : أخبرنا إبراهيم بن حريم ، قال ابن عبد الحميد ، قال : بنا مسلم بن إبراهيم ؛ وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال : أخبرنا أبو الفضل البقال ، قال : ابنا ابن بشران قال : أخبرنا إسحاق الكاذي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا عبد الصمد ، كلاهما عن همام بن يحيى ، عن قتادة قال : أمر الله نبيه أن يعفو
__________________
(١) انظر «تفسير ابن أبي حاتم» (١ / ١٩٦ ـ ١٩٧) و «تفسير ابن كثير» (١ / ١٩٨) و «الجامع لأحكام القرآن» (٢ / ٥٧) و «فتح القدير» للشوكاني (١ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩) و «الإيضاح لناسخ القرآن» (ص ١٢٥).
(٢) انظر «فتح القدير» (١ / ٢٤٨).
(٣) انظر تفسير المصنف «زاد المسير» (١ / ١٣٢) و «الجامع لأحكام القرآن» (٢ / ٧١) و «الإيضاح» (ص ١٢٥ ـ ١٢٦).
(٤) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (٢ / ٥٠٣).