وثانيا : فلأنّ العمل بالظنّ في مورد مخالفته للاصول والقواعد ـ الذي هو محلّ الكلام ـ مخالفة قطعيّة لحكم الشارع بوجوب الأخذ بتلك الاصول حتّى يعلم خلافها ، فلا حاجة في ردّه إلى مخالفته لقاعدة الاشتغال الراجعة إلى قدح المخالفة الاحتماليّة للتكليف المتيقّن. مثلا : إذا فرضنا أنّ الاستصحاب يقتضي الوجوب ، والظنّ حاصل بالحرمة ، فحينئذ يكون العمل بالظنّ مخالفة قطعيّة لحكم الشارع بعدم نقض اليقين بغير اليقين ، فلا يحتاج إلى تكلّف أنّ التكليف بالواجبات والمحرمات يقيني ، ولا نعلم كفاية تحصيل مطلق الاعتقاد الراجح فيها أو وجوب تحصيل الاعتقاد القطعي ، وأنّ في تحصيل الاعتقاد الراجح مخالفة احتماليّة للتكليف المتيقّن ، فلا يجوز ، فهذا أشبه شيء بالأكل عن القفا.
فقد تبيّن ممّا ذكرنا أنّ ما ذكرنا في بيان الأصل هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه ، وحاصله : أن التعبّد بالظنّ مع الشكّ في رضا الشارع بالعمل به في الشريعة تعبّد بالشكّ ، وهو باطل عقلا ونقلا ، وأمّا مجرّد العمل على طبقه ، فهو محرّم إذا خالف أصلا من الاصول اللفظيّة أو العمليّة الدالّة على وجوب الأخذ بمضمونها حتّى يعلم الواقع (*). فالعمل بالظنّ قد تجتمع فيه جهتان للحرمة ، كما إذا عمل به ملتزما بأنّه حكم الله وكان العمل (**) مخالفا لمقتضى الاصول. وقد تتحقّق فيه جهة واحدة ، كما إذا خالف الأصل ولم يلتزم بكونه حكم الله ، أو التزم ولم يخالف مقتضى الاصول.
وقد لا يكون فيه عقاب أصلا ، كما إذا لم يلتزم بكونه حكم الله ولم يخالف
______________________________________________________
ويردّ على الاستدلال ـ مضافا إلى ما عرفت ـ ما أشار إليه في الجواب عن بعض وجوه تقرير الأصل ، من كون الشكّ في حجّية الظنّ علّة تامّة لحكم العقل بحرمة العمل به ، فلا يبقى هنا شكّ حتّى يتمسّك بقاعدة الاشتغال. مع أنّ الأصل الجاري في خصوص الوقائع التي يتفحّص عن الدليل لتحصيل الظنّ بأحكامها مغن
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الواقع» ، الرافع
(**) في بعض النسخ زيادة : به.