مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعيّة المعلومة إجمالا ، وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ، فيرجع إلى الشكّ في المكلّف به وتردّده بين التخيير والتعيين ، فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ؛ تحصيلا لليقين بالبراءة ، خلافا لمن لم يوجب ذلك في مثل المقام.
وفيه أوّلا : أنّ وجوب تحصيل الاعتقاد بالأحكام مقدّمة عقليّة للعمل بها وامتثالها ، فالحاكم بوجوبه هو العقل ، ولا معنى لتردّد العقل في موضوع حكمه ، وأنّ الذي حكم هو بوجوبه تحصيل مطلق الاعتقاد أو خصوص العلم منه ، بل إمّا أن يستقلّ بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ـ على ما هو التحقيق ـ ، وإمّا أن يحكم بكفاية مطلق الاعتقاد. ولا يتصوّر الإجمال في موضوع الحكم العقلي ؛ لأنّ التردّد في الموضوع يستلزم التردّد في الحكم ، وهو لا يتصوّر من نفس الحاكم ، وسيجيء الإشارة إلى هذا في ردّ من زعم أنّ نتيجة دليل الانسداد مهملة مجملة ، مع عدّه دليل الانسداد دليلا عقليّا وحكما يستقلّ به العقل.
______________________________________________________
شيء بالأكل من القفا. وأنت خبير بأنّ تخصيص مورد الخلاف بمخالف الأصل إنّما يتمّ على أحد تقريري العمل بالظنّ ، وهو جعل الأفعال والحركات على طبق الظنّ من دون استناد إليه وتعبّد به ، وإلّا فقد تقدّمت حرمة إسناد الحكم إلى الله تعالى استنادا إلى الظنّ ، سواء طابق الأصل أم خالفه. نعم ، الاستناد إلى الظنّ في مورد المخالفة بكون حراما من جهتين ، كالإفطار بالمغصوب أو النجس في شهر رمضان كما أسلفناه سابقا.
ثمّ إنّ بناء تقرير الاستدلال على القول بالبراءة أو الاحتياط فيما دار الأمر فيه بين التخيير والتعيين لا يخلو من نظر ، لأنّ ذلك إنّما يتمّ فيما كان القيد المشكوك فيه قيدا للمأمور به ، كما لو شكّ في كون المأمور به عتق مطلق الرقبة أو خصوص المؤمنة ، وأمّا لو كان قيدا لامتثال الأمر ـ مثل قصد الوجه في العبادة ـ فهو مورد لقاعدة الاحتياط ، وإن قلنا بالبراءة فيما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير ، كما تقدّم في حجّية القطع عند بيان ما يتعلّق باعتبار العلم الإجمالي ، وسيأتي في بعض مسائل البراءة ، ولم يظهر من القائل بالبراءة في تلك المسألة القول بها في مثل المقام أيضا.