أوّلا : أنّ إباحة التعبّد بالظنّ غير معقول ؛ إذ لا معنى لجواز التعبّد وتركه لا إلى بدل ، غاية الأمر التخيير بين التعبّد بالظنّ والتعبّد بالأصل أو الدليل الموجود هناك في مقابله الذي يتعيّن الرجوع إليه لو لا الظنّ ، فغاية الأمر وجوب التعبّد به أو بالظنّ تخييرا ، فلا معنى للإباحة التي هي الأصل في الأشياء. وثانيا : أنّ أصالة الإباحة إنّما هي فيما لا يستقلّ العقل بقبحه ، وقد عرفت استقلال العقل بقبح التعبّد بالظنّ من
______________________________________________________
عن القفّال وابن شريح وأبي الحسن البصري ، والاستدلال عليه بأنّه لو لم يؤخذ به لخلا كثير من الوقائع عن الأحكام ، أجاب عنه بأنّه : «لا تعطيل بعد قيام الأدلّة على أصل الإباحة والحظر ، وذلك لأنّا متى لم نجد للواقعة حكما عملنا فيها بما يقتضيه العقل من الإباحة والحظر». انتهى. وهو كما ترى لا دخل له في الاستدلال بالأصل.
وحاصل ما أورده أوّلا : أنّ معنى الإباحة هي الرخصة في الفعل وتركه لا إلى بدل ، ولا معنى لها في التعبّد بالظنّ ، لأنّه لا معنى لإباحة التعبّد بالظنّ بالوجوب أو الحرمة مثلا مع أنّ مقصود القائل به هو إيجاب العمل به لا الرخصة فيه. وغاية ما يتصوّر هنا من الرخصة في ترك التعبّد بالظنّ هو التخيير بينه وبين الأخذ بالأصل أو الدليل الموجود في المسألة على خلافه ، ومرجعه كما أفاده إلى إيجاب العمل بالظنّ تخييرا لا تعيينا ، وهو ليس معنى الإباحة كما عرفت. وإنّما قيّد كون الأصل أو الدليل في قبال الظنّ الظاهر في اعتبار كونه مخالفا لهما ، لكون التخيير بين الظنّ والأصل أو الدليل الموافقين له لغوا لكون العمل بأحدهما محصّلا للعمل بالآخر.
ومن هنا يظهر أنّه لو كان مراد المستدلّ بجواز ترك العمل بالظنّ ما عرفت من معنى التخيير ، كان الدليل أخصّ من المدّعى. ويرد عليه ـ مضافا إلى ما ذكر ـ منع شمول نزاعهم في كون الأصل في الأشياء هو الحظر أو الإباحة للمقام ، لأنّ عنوانهم للمسألة بما ذكر ، وتصريحهم باشتراط كونها ممّا اشتمل على منفعة خاليا