إنّ المرأة تعاقل الرجل (٧٩) إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف. يا أبان ، إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق الدين» (١٢).
وهي وإن كانت ظاهرة في توبيخ أبان على ردّ الرواية الظنّية التي سمعها في العراق بمجرّد استقلال عقله بخلافه ، أو على تعجّبه ممّا حكم به الإمام عليهالسلام من جهة مخالفته لمقتضى القياس ، إلّا أنّ مرجع الكلّ إلى التوبيخ على مراجعة العقل في استنباط الأحكام ، فهو توبيخ على المقدّمات المفضية إلى مخالفة الواقع.
وقد أشرنا هنا وفي أوّل المسألة إلى عدم جواز الخوض لاستكشاف الأحكام الدينيّة ، في المطالب العقليّة والاستعانة بها في تحصيل مناط الحكم والانتقال منه إليه على طريق اللّم ؛ لأنّ انس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل إليه من الأحكام التوقيفيّة ، فقد يصير منشأ لطرح الأمارات النقليّة الظنّية ؛ لعدم حصول الظنّ له منها بالحكم.
وأوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقليّة النظريّة لإدراك ما يتعلّق باصول الدين ؛ فأنّه تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد ، وقد اشير إلى ذلك عند النهي عن الخوض في مسألة القضاء والقدر ، وعند نهي بعض أصحابهم صلوات الله عليهم عن المجادلة في المسائل الكلاميّة (١٣). لكنّ الظاهر من بعض تلك الأخبار : أنّ الوجه في النهي عن الأخير عدم الاطمئنان بمهارة الشخص المنهيّ في المجادلة ، فيصير مفحما عند المخالفين ، ويوجب ذلك وهن المطالب الحقّة في نظر أهل الخلاف (١٤).
______________________________________________________
٧٩. أي : توازنه. والعقل : الدية. وأصله أنّ القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول ، أي : شدّها في عقلها ليسلّمها إليهم ويقبضونها منه ، فسمّيت الدية عقلا بالمصدر ، عقل البعير يعقله عقلا ، والجمع عقول. وكان أصل الدية الإبل ، فقوّمت بعد ذلك بالذهب والفضّة والبقر والغنم وغيرها. وقيل : سمّيت بذلك لأنّها تعقل لسان وليّ المقتول ، أو من العقل وهو المنع ، لأنّ العشيرة كانت تمنع القاتل بالسيف في الجاهليّة ، ثمّ منع منه الإسلام بالمال ، ذكر ذلك كلّه الشيخ الطريحي.