أنّ الركون إلى العقل فيما يتعلّق بإدراك مناطات الأحكام لينتقل منها إلى إدراك نفس الأحكام موجب للوقوع في الخطأ كثيرا في نفس الأمر ، وإن لم يحتمل ذلك عند المدرك ، كما يدلّ عليه الأخبار الكثيرة الواردة بمضمون : «أنّ دين الله لا يصاب بالعقول» ، و «أنّه لا شيء أبعد عن دين الله من عقول الناس».
______________________________________________________
أحدها : طرح أبان للرواية الظنّية بمخالفة عقله ، كما يشهد به قوله : «مهلا يا أبان فهذا حكم رسول الله ...». ولكن هذا إنّما يصحّ إمّا مع كون حكم عقله ظنّيا ليصحّ التوبيخ على طرح الرواية المعتبرة بمجرّد مخالفتها للظنّ غير المعتبر. وإمّا مع كون الغرض من التوبيخ على طرح الرواية المعتبرة هو التوبيخ على الخوض في المقدّمات المؤدّية إلى ذلك لأجل حصول القطع منها الموجب لطرح الرواية المعتبرة ، إذ لا يصحّ التوبيخ على العمل بنفس القطع. والأوّل أظهر ، إذ مورد السؤال في الرواية ليس ممّا يحصل منه القطع بمناط الحكم لكلّ أحد أو لأغلب الناس ، بأن يقطع بأنّ قطع كلّ إصبع علّة لثبوت عشرة من الإبل مطلقا ، لجواز اشتراطه بعدم انضمامه إلى ما يوجب البلوغ إلى ثلث دية الرجل كما ذكره الإمام عليهالسلام ، غاية الأمر حصول الظنّ بعدم الاشتراط ، مع أنّ عدم العلم بوجود الشرط للحكم لا يستلزم العلم بالعدم.
لا يقال : إنّ قوله : «فقلنا : إنّ الذي جاء به شيطان» صريح في كون أبان قاطعا بمناط الحكم ، فلا بدّ حينئذ من حمل توبيخ الإمام عليهالسلام على الاقتحام في المقدّمات.
لأنّا نقول : نمنع الصراحة ، بل الظهور أيضا ، إذ يصحّ أن يقال : ذلك مع حصول الظنّ القوي ، سيّما مع كون الطباع مجبولة على العمل بالظنّ. هذا كلّه ، مضافا إلى قوله : «يا أبان أخذتني بالقياس ...» فإنّ الظاهر منه الأخذ بالقياس الظنّي ، لأنّه الغالب المتداول في تلك الأزمنة ، مع أنّ ما ذكره من المحذور في العمل بالقياس من انمحاق الدين منتف في العمل بالقطع بمناطات الأحكام ، لقلّة موارده كما عرفت.