.................................................................................................
______________________________________________________
وتوضيح المقام : أنّ للعقل من حيث إدراكه وحكمه مقامات ، أحدها : إدراكه حسن الأشياء وقبحها. والآخر : إدراكه حكم الشارع على طبق ما حكم به من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما على اختلاف مراتب ما أدركه من الحسن والقبح. والثالث : حكمه باعتبار هذا الإدراك ، أعني : إدراكه حكم الشارع على طبق ما حكم به.
والأوّل هو محلّ النزاع المعروف بين الأشاعرة والعدليّة من المعتزلة والإماميّة ، حيث ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الحسن ما أمر الله به والقبح ما نهى عنه. والثاني هو محلّ النزاع المعروف في ثبوت الملازمة بين حكم العقل والشرع بعد تسليم إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها ونقل فيه أقوال ، وعن شيخ الأشاعرة التوقّف فيه بعد التنزّل عن أصله. والثالث هو محلّ الكلام بين الأخباريّين والمجتهدين.
وقد عرفت من كلام شارح الوافية الذي نقلناه عند بيان السؤال الذي أورده المصنّف رحمهالله أنّه منكر لاعتبار إدراك العقل في هذا المقام. وهو المنساق من مصبّ كلمات غيره أيضا ، سيّما من علّل عدم جواز الاعتماد على حكم العقل بكثرة وقوع الخطإ في المقدّمات العقليّة ، كالمحدّث الأسترآبادي والمحدّث الجزائري حيث استحسن مقالته ، وهم لا ينكرون المقام الأوّل ، ولذا لم يعدّوهم من المخالفين في المقام الأوّل. ويحتمل كلام المحدّث الأمين الأسترآبادي والجزائري والبحراني في نفي حكم العقل للخلاف في المقام الثاني ، بأن ينكروا الملازمة بين حكم العقل والشرع ، لا اعتبار حكم العقل بعد إدراكه لحكم الشرع كما هو محلّ الكلام في المقام الثالث. ولكنّه على تقديره ضعفه مقرّر في محلّه ، وكلامنا في المقام مع الأخباريّين إنّما هو في المقام الثالث ، وإلّا لم يحسن للمصنّف رحمهالله تجديد عنوان للبحث في حجّية القطع ، بل كان إيكال الأمر إلى ما ذكروه في مبحث الملازمة أولى ، لعدم كون المقام مناسبا للتكلّم فيها.