وثانيا : سلّمنا مدخليّة تبليغ الحجّة في وجوب الإطاعة ، لكنّا إذا علمنا إجمالا بأنّ حكم الواقعة الفلانيّة لعموم الابتلاء بها قد صدر يقينا من الحجّة ـ مضافا إلى ما ورد من قوله صلىاللهعليهوآله في خطبة حجّة الوداع : «معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار إلّا أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة إلّا وقد نهيتكم عنه» (١١) ـ ثمّ أدركنا ذلك الحكم إمّا بالعقل المستقلّ وإمّا بواسطة مقدّمة عقليّة ، نجزم من ذلك بأنّ ما استكشفناه بعقولنا صادر عن الحجّة صلوات الله عليه ، فيكون الإطاعة بواسطة الحجّة.
إلّا أن يدّعى أنّ الأخبار المتقدّمة وأدلّة وجوب الرجوع إلى الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين تدلّ على مدخليّة تبليغ الحجّة وبيانه في طريق الحكم ، وأنّ كلّ حكم لم يعلم من طريق السماع عنهم عليهمالسلام ولو بالواسطة فهو غير واجب الإطاعة ، وحينئذ فلا يجدي مطابقة الحكم المدرك لما صدر عن الحجّة عليهالسلام.
لكن قد عرفت عدم دلالة الأخبار ، ومع تسليم ظهورها فهو أيضا من باب تعارض النقل الظنّي مع العقل القطعي ، ولذلك لا فائدة مهمّة (٧٦) في هذه المسألة ؛ إذ بعد ما قطع العقل بحكم وقطع بعدم رضاء الله جلّ ذكره بمخالفته ، فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا ، فكلّ ما دلّ على خلاف ذلك فمؤوّل أو مطروح.
______________________________________________________
الجنّة ويبعد به عن سخط الله. ويحتمل كون قبح عدم معرفة وليّ الله مانعا من ترتّب أثر على حسن التصدّق بأيّ وجه اتّفق. ولعلّه إلى الوجهين أشار بقوله «أو على غير ذلك».
٧٦. يعني ولأجل أنّ غاية ما يفيده دليل الخصم هو الظنّ ، فلا فائدة مهمّة في النزاع في هذه المسألة ، إذ بعد ما قطع العقل بحكم ـ كالوجوب والحرمة مثلا ـ وقطع بعدم رضا الله جلّ ذكره بمخالفته ، وكون العبد مستحقّا للعقاب عنده بالمخالفة ، فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا ، فكلّ ما دلّ على خلافه مؤوّل أو مطروح ، بل لا يعقل حصول الظنّ من دليل الخصم حينئذ كما لا يخفى.