وممّا يشير إلى ما ذكرنا من قبل هؤلاء ما ذكره السيّد الصدر رحمهالله في شرح الوافية ـ في جملة كلام له في حكم ما يستقلّ به العقل ـ ما لفظه : إنّ المعلوم هو أنّه يجب فعل شيء أو تركه أو لا يجب إذا حصل الظنّ أو القطع بوجوبه أو حرمته أو غيرهما من جهة نقل قول المعصوم عليهالسلام أو فعله أو تقريره ، لا أنّه يجب فعله أو تركه أو لا يجب مع حصولهما من أيّ طريق كان (٩) ، انتهى موضع الحاجة.
قلت : أوّلا نمنع مدخليّة توسّط تبليغ الحجّة في وجوب إطاعة حكم الله سبحانه ؛ كيف! والعقل بعد ما عرف (٧٢) أنّ الله تعالى لا يرضى بترك الشيء الفلاني ، وعلم بوجوب إطاعة الله ، لم يحتجّ ذلك إلى توسّط مبلّغ.
ودعوى : استفادة ذلك من الأخبار ، ممنوعة ؛ فأنّ المقصود من أمثال الخبر
______________________________________________________
بمقتضى مذهبه. اللهمّ إلّا أن يقال بعدم كون حكم العقل هنا من قبيل ما ذكره من بلوغ وضوح حكمه إلى حدّ البديهة ، فتدبّر.
٧٢. ظاهره دعوى كفاية إدراك العقل مجرّد حكم الله تعالى وخطاباته الواقعيّة في وجوب إطاعة ما أدركه ، وإن لم يكن هنا تبليغ من الحجّة أصلا. وهو كما ذكره بتقريب ما ذكره. بل نقول : لو أدرك العقل مجرّد عدم رضا الله تعالى بترك فعل فهو كاف في وجوب إطاعته وإن لم يكن هنا خطاب واقعي أيضا فضلا عن تبليغ الحجّة ، لاستقلال العقل بذلك. ولا ريب أنّ كيفيّة الإطاعة والمعصية موكولة إلى العقلاء ، ولذا ترى أنّ ولد المولى لو كان واقفا على جانب بئر بحيث يشرف على الوقوع فيها ، واطّلع العبد على ذلك وكان متمكّنا من تخليصه من ذلك فتركه على حاله فوقع في البئر لذمّه العقلاء وإن لم يكن المولى آمرا له بذلك ، بل كان غير مطّلع على حال ولده ، فلو اعتذر العبد بعدم أمر المولى لم يسمع منه واستحقّ المذمّة والتوبيخ منهم ، وليس ذلك إلّا من جهة كفاية ما قطع به العبد من أنّ المولى لو اطّلع على حال ولده لأمره بإنجائه ، ولم يرض منه بترك ولده على ما هو عليه.