لعلّ نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار ـ مثل قولهم عليهمالسلام : «حرام عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا» (٤) ، وقولهم عليهمالسلام : «لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وحجّ دهره وتصدّق بجميع ماله ولم يعرف ولاية وليّ الله فيكون أعماله بدلالته فيواليه ، ما كان له على الله ثواب» (٥) ، وقولهم عليهمالسلام : «من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا ...» (٦) ، إلى غير ذلك ـ من أنّ الواجب علينا هو امتثال أحكام الله تعالى التي بلّغها حججه عليهمالسلام ، فكلّ حكم لم يكن الحجّة واسطة في تبليغه لم يجب امتثاله ، بل يكون من قبيل : «اسكتوا عمّا سكت الله عنه» ؛ فإنّ معنى سكوته عنه عدم أمر أوليائه بتبليغه ، وحينئذ فالحكم المستكشف بغير واسطة الحجّة ملغى في نظر الشارع وإن كان مطابقا للواقع ؛ كما يشهد به تصريح الإمام عليهالسلام بنفي الثواب على التصدّق بجميع المال ، مع القطع بكونه محبوبا ومرضيّا عند الله.
ووجه الاستشكال في تقديم النقلي على العقلي الفطري السليم ما ورد من النقل المتواتر على حجّية العقل وأنّه حجّة باطنة وأنّه ممّا يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان (٧) ونحوها ممّا يستفاد منه كون العقل السليم أيضا حجّة من الحجج ، فالحكم المستكشف به حكم بلّغه الرسول الباطني الذي هو شرع من داخل ، كما أنّ الشرع عقل من خارج (٨).
______________________________________________________
ـ معارضتها بالآيات المتكاثرة القرآنيّة والأخبار المتواترة المعصوميّة الدالّة على كون العقل حجّة من حجج الرحمن ، وأنّه مطابق للشرع والشرع مطابق له ، كما تقدّم إلى شطر منها الإشارة في الجواب عمّا ذكره المحدّث الجزائري ، وأشار المصنّف رحمهالله أيضا إليها في الجملة في السؤال. ولا ريب أنّها أقوى دلالة واعتضادا بالعقل وموافقة للكتاب. وحملها على العقل الفطري كما فعله المحدّث البحراني ممّا لا شاهد له. بل الأولى في الجمع حمل الأخبار المانعة على العقول الناقصة الظنيّة ، لظهور أكثرها فيها كما أشار إليه المصنّف رحمهالله. وغاية الأمر وقوع التعارض بين تلك الأخبار مع تأيّد أحد الصنفين بالعقل ، إذ لا ريب في حكم العقل باعتبار حكمه الجزمي ، فلا بدّ حينئذ من تقديم الأخبار المرخّصة إلزاما للمحدّث البحراني