ذلك؟! والعجب ممّا ذكره في الترجيح عند تعارض العقل والنقل ، كيف يتصوّر الترجيح في القطعيّين (٦٩)؟ وأيّ دليل على الترجيح المذكور؟!
وأعجب من ذلك : الاستشكال في تعارض العقليّين من دون ترجيح ؛ مع أنّه لا إشكال في تساقطهما ، و (*) في تقديم العقلي الفطري الخالي عن شوائب الأوهام على الدليل النقلي ؛ مع أنّ العلم بوجود (**) الصانع جلّ ذكره إمّا أن يحصل من هذا العقل الفطري أو ممّا دونه من العقليات البديهيّة ، بل النظريات المنتهية إلى البداهة.
والذي يقتضيه النظر وفاقا لأكثر أهل النظر أنّه : كلّما حصل القطع من دليل عقلي فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي ، وإن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ من تأويله إن لم يمكن طرحه.
وكلّما حصل القطع من دليل نقلي ـ مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا (٧٠) ـ فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من
______________________________________________________
٦٩. بل الحقّ عدم إمكان التعارض في ظنّين شخصيّين فضلا عن القطعيّين ، سيّما إذا كانا بديهيّين ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين أو النقيضين بديهة ، وهو بديهيّ البطلان.
٧٠. قيل : القدم والحدوث صفتان للوجود ، وأمّا الماهيّة فإنّما يوصف بهما باعتبار اتّصاف وجودها بهما. وقد يوصف بهما العدم فيقال العدم الغير المسبوق بالوجود قديم ، والمسبوق حادث. ثمّ كلّ من القدم والحدوث قد يؤخذ حقيقيّا ، وقد يؤخذ إضافيّا. أمّا الحقيقي فقد يراد بالقدم عدم المسبوقيّة بالغير ، وبالحدوث المسبوقيّة به ، ويسمّى ذاتيّا. وقد يخصّ الغير بالعدم ، فيراد بالقدم عدم المسبوقيّة بالعدم ، وبالحدوث المسبوقيّة به ، ويسمّى زمانيّا. وهذا هو المتعارف عند الجمهور.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : كذا الاستشكال.
(**) في بعض النسخ : بدل «بوجود» ، بصفات.