موسى عليهالسلام إلى هذا العجل ، فحرقه [قيل](١) بالنار ، كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالمبارد ، كما قاله علي وابن عباس وغيرهما ، وهو نص أهل الكتاب ثم ذراه في البحر ، وأمر بني إسرائيل فشربوا ، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه ، وقيل بل اصفرت ألوانهم.
ثم قال تعالى إخبارا عن موسى؟ أنه قال لهم : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!
ثم أخبر تعالى عن حلمه (٢) ورحمته بخلقه ، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه ، بتوبته عليه ، فقال : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل ، كما قال تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.)
[٢ البقرة : ٥٤]
فيقال إنهم أصبحوا يوما وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف ، وألقى الله عليهم ضبابا حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه ، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفا!
ثم قال تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) استدل بعضهم بقوله : (وَفِي نُسْخَتِها) على أنها تكسرت ، وفي هذا الاستدلال نظر ، وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت ، والله أعلم.
وقد ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي : أن عبادتهم العجل كانت على أثر خروجهم من البحر. وما هو ببعيد ، لأنهم حين خرجوا (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ).
وهكذا عند أهل الكتاب ، فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم ، بلاد بيت المقدس. وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل ، قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف ، ثم ذهب موسى يستغفر لهم ، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الأرض المقدسة.
__________________
(١) من و.
(٢) و : حكمت ..