صلىاللهعليهوسلم : «ليس الخبر كالمعاينة» (١).
ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه ، بما ليس بصحيح ، «قالوا إنا (حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ) تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب ، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم ، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار ، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار!
ثم أقبل على أخيه هارون عليهماالسلام قائلا له : «يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن» أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا. فقال : (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وقد كان هارون عليهالسلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي ، وزجرهم عنه أتم الزجر.
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختبارا لكم ، (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) أي لا هذا (فَاتَّبِعُونِي) أي فيما أقول لكم (وَأَطِيعُوا أَمْرِي* قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) يشهد (٢) الله لهارون عليهالسلام ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.
ثم أقبل موسى على السامري (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ؟) أي ما حملك على ما صنعت؟
(قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرسا «فقبضت قبضة من اثر الرسول» أي من أثر فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه ، وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضر وأعشب ، فأخذ من أثر حافرها ، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع (٣) من الذهب كان من أمره ما كان. ولهذا قال : (فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي* قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحدا ، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه ، وهذا معاقبة له في الدنيا ، ثم توعده في الأخرى فقال : (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ). وقرىء : «لن نخلفه» (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً). قال : فعمد
__________________
(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (١ / ٢١٥ / ـ ٢٧١ / حلبي). ورواه السيوطي في الفتح الكبير (٣ / ٥٨ / حلبي) وتمامه «ليس الخبر كالمعاينة إن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح ، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت». ورواه العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٢٣٦ / ٢١٣٧) وقال رواه أحمد وابن منيع والطبراني والعسكري وابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الحافظ بن حجر في المجلس الثامن والخمسين بعد المائة من تخريجه وأغفله ابن كثير ، وتنبه له السبكي وقال في اللآلىء فإن قيل هو معلول بما قاله ابن عدي في الكامل من أن هشيما لم يسمع هذا الحديث من أبي بشر وإنما سمعه من أبي عوانة. ورواه ابن كثير في تفسيره (٥ / ٢٢٤ ، ٢٢٥ / عمدة التفاسير).
وقال محققه أحمد شاكر : «رواه أحمد في المسند مطولا ومختصرا : ١٨٤٢ ، ٢٤٤٧ ، من حديث ابن عباس ، ورواه الحاكم مطولا (٢ / ٣٢١) وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي. ورواه ابن حبان في صحيحه (٢ / ٦٦٨ / مخطوطه.
أه.
(٢) و : فشهد ...
(٣) المصوغ.