الأنبياء والمرسلون ، حتى أولوا العزم الأكملون : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش ـ أي آخذا بها ـ فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور» (١) دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة ، حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده ، فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلال ، فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الأنبياء ، ومصطفى رب الأرض والسماء على سائر الأنبياء ، فيجد موسى باطشا بقائم العرش. قال الصادق المصدوق : فلا أدري أصعق فأفاق قبلي؟» أي وكانت (٢) صعقته خفيفة ، لأنه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق ، «أو جوزي بصعقة الطور؟» يعني فلم يصعق بالكلية.
وهذا فيه شرف كبير لموسى عليهالسلام من هذه الحيثية ، ولا يلزم تفضيله بها مطلقا من كل وجه. ولهذا نبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على شرفه وفضيلته بهذه الصفة ؛ لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال : «لا والذي اصطفى موسى على البشر» قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه الصلاة والسلام ، فبين النبي صلىاللهعليهوسلم فضيلته (٣) وشرفه.
وقوله تعالى : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) أي في ذلك الزمان ، لاما (٤) قبله ؛ لأن ابراهيم الخليل أفضل منه ، كما تقدم بيان ذلك في قصة إبراهيم ، ولا ما بعده ؛ لأن محمدا صلىاللهعليهوسلم أفضل منهما ، كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء ، وكما ثبت أنه قال : «سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم».
وقوله تعالى : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام ، ولا تسأل زيادة عليه ، وكن من الشاكرين على ذلك.
وقال الله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) وكانت الألواح من جوهر نفيس ، ففي الصحيح : أن الله كتب له التوراة بيده ، وفيها مواعظ من الآثام ، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام.
(فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي بعزم ونية صادقة وقوية (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أن يضعوها على أحسن وجوهها وأجمل محاملها (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) أي سترون عاقبة الخارجين عن طاعتي ، المخالفين لأمري ، المكذبين لرسلي.
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) أي عن فهمها وتدبرها ، وتعقل معناها الذي أريد منها ، ودل على مقتضاها الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها» أي ولو شاهدوا ما
__________________
(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ٢٥ / ٣٣٩٨). ورواه أبو داود في سننه (٢ / ٥٣١ / حلبي).
(٢) و : وكانت.
(٣) و : فضله.
(٤) و : فيما قبله.