ثم قال مخاطبا للرسل : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) قيل : فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم ، وقيل معناه : فاسمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة. فعند ذلك قتلوه ، قيل رجما ، وقيل عضا ، وقيل وثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه.
وحكى ابن إسحق عن بعض أصحابه عن ابن مسعود قال : وطئوه بأرجلهم ، حتى أخرجوا قصبته.
وقد روى الثوري عن عاصم الأحول ، عن أبي مجلز : كان اسم هذا الرجل «حبيب بن مري» ثم قيل : كان نجارا ، وقيل حباكا (١) ، وقيل إسكافا ، وقيل قصارا ، وقيل كان يتعبد في غار هناك. فالله أعلم.
وعن ابن عباس : كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام ، وكان كثير الصدقة فقتله قومه ، ولهذا قال تعالى : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) يعني لما قتله قومه أدخله الله الجنة ، فلما رأى فيها من النضرة والسرور (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) يعني ليؤمنوا بما آمنت به فيحصل لهم ما حصل لي.
قال ابن عباس : نصح قومه في حياته بقوله : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وبعد مماته في قوله :
(يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) رواه ابن أبي حاتم. وكذلك قال قتادة : لا يلقى المؤمن إلا ناصحا ، لا يلقى غاشا ؛ لما عاين ما عاين من كرامة الله (قالَ : يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله وما هو عليه!
قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله» (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ).
وقوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أي وما احتجنا في الانتقام منهم إلى إنزال جند من السماء عليهم.
هذا معنى ما رواه ابن إسحاق عن بعض أصحابه (٢) عن ابن مسعود. قال مجاهد وقتادة :
وما أنزل عليهم جندا ، أي رسالة أخرى. قال بن جرير : والأول أولى.
قلت : وأقوى ـ ولهذا قال : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أي وما كنا نحتاج (٣) في الانتقام الى هذا حين كذبوا رسلنا وقتلوا ولينا : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ).
__________________
(١) و : حبالا.
(٢) و : أشياخه.
(٣) و : محتاجين.