فإنّي إنّما خلقت لقتله ، فأخذه ووضعه في مخلاته الّتي كانت تكون فيها حجارته الّتي كان يرمي بها غنمه ، فلمّا دخل العسكر سمعهم يعظّمون أمر جالوت ، فقال لهم : ما تعظّمون من أمره ، فو الله لئن عاينته لأقتلنّه.
فتحدّثوا بأمره حتّى ادخل على طالوت فقال له : يا فتى ما عندك من القوة وما جرّبت من نفسك؟ قال : قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه وأفكّ لحييه عنها فآخذها من فيه ، وكان الله تبارك وتعالى أوحى إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها ، فدعا بدرعه فلبسها داود عليهالسلام فاستوت عليه ، فراع طالوت ومن حضره من بني اسرائيل ، فقال : عسى الله أن يقتل به جالوت.
فلمّا اصبحوا والتقى الناس ، قال داود عليهالسلام : أروني جالوت ، فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكّ به بين عينيه فدمغه وتنكّس عن دابّته ، فقال الناس : قتل داود جالوت ، وملّكه الناس حتّى لم يكن يسمع لطالوت ذكر ، واجتمعت عليه بنو إسرائيل ، وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزبور ، وعلّمه صنعة الحديد فليّنه له ، وأمر الجبال والطير أن تسبّح معه ، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا ، وأعطاه قوّة في العبادة ، وأقام في بني اسرائيل نبيّا.
وهكذا يكون سبيل القائم عليهالسلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزوجل فناداه : أخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله ، وله سيف مغمد إذا كان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزوجل ، فناداه السيف : اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج عليهالسلام ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ، ويقيم حدود الله ، ويحكم بحكم الله عزوجل (١).
الآية العشرون قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ...)(٢).
٤٦ ـ روي عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كنّا مع عليّ بالبصرة ، وهو على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد اجتمع هو وأصحاب محمّد ، فقال : «ألا أخبرنّكم بأفضل خلق الله يوم يجمع الرسل؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : أفضل الرسل محمّد ، وإنّ أفضل الخلق بعدهم
__________________
(١) كمال الدّين ١ / ١٥٣ ـ ١٥٧.
(٢) البقرة : ٢٥٣.