(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٧٤)
المدعوّين (كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) وإنما قيل أولئك لأنّ من في معنى الجمع (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء ، ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله :
٧٢ ـ (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) الدنيا (أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) كذلك (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) من الأعمى ، أي أضلّ طريقا ، والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة ، أما في الدنيا فلفقد النظر ، وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه ، وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل بدليل عطف وأضلّ ، ومن ثم قرأ أبو عمرو الأول ممالا والثاني مفخّما ، لأن أفعل التفضيل تمامه بمن ، فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلمة فلم (١) يقبل الإمالة ، وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف فقبلت الإمالة ، وأمالهما حمزة وعليّ ، وفخمهما الباقون.
ولما قالت قريش اجعل آية رحمة آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك نزل :
٧٣ ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية ، والمعنى إنّ الشأن قاربوا أن يفتنوك ، أي يخدعوك فاتنين (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من أوامرنا ونواهينا ووعدنا ووعيدنا (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) لتتقوّل علينا ما لم نقل ، يعني ما اقترحوه من تبديل الوعد وعيدا والوعيد وعدا (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) أي ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك خليلا ، ولكنت لهم وليا ، وخرجت من ولايتي.
٧٤ ـ (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) ولو لا تثبيتنا وعصمتنا (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) لقاربت أن تميل إلى مكرهم (شَيْئاً قَلِيلاً) ركونا قليلا ، وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت.
__________________
(١) في (ز) فلا.