(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٧١)
إعراضكم حين نجّاكم (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) مطالبا من قوله : (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (١) أي مطالبة ، والمعنى إنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا تجدوا أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا منا ودركا للثأر من جهتنا وهذا نحو قوله : (وَلا يَخافُ عُقْباها) (٢) أن نخسف ، أو نرسل ، أن نعيدكم ، فنرسل ، فنغرقكم بالنون مكي وأبو عمرو.
٧٠ ـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) بالعقل ، والنطق ، والخطّ ، والصورة الحسنة ، والقامة المعتدلة ، وتدبير أمر المعاش والمعاد ، والاستيلاء وتسخير الأشياء ، وتناول الطعام بالأيدي ، وعن الرشيد أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف رحمهالله تعالى فقال له : جاء في تفسير جدّك ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) جعلنا لهم أصابع يأكلون بها ، فأحضرت الملاعق فردّها وأكل بأصابعه (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) على الدواب (وَالْبَحْرِ) على السفن (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) باللذيذات ، أو بما كسبت أيديهم (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) أي على الكلّ كقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٣) قال الحسن أي كلّهم ، وقوله : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) (٤) ذكر في «الكشاف» أنّ المراد بالأكثر الجميع ، وعنه عليهالسلام : (المؤمن أكرم على الله من الملائكة) (٥) وهذا لأنهم مجبولون على الطاعة ، ففيهم عقل بلا شهوة ، وفي البهائم شهوة بلا عقل ، وفي الآدمي كلاهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم ، ولأنه خلق الكلّ لهم وخلقهم لنفسه.
٧١ ـ (يَوْمَ نَدْعُوا) منصوب باذكر (كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) الباء للحال ، والتقدير مختلطين بإمامهم ، أي بمن ائتموا به من نبي ، أو مقدّم في الدين ، أو كتاب ، أو دين ، فيقال يا أتباع فلان ، يا أهل دين كذا ، أو كتاب كذا ، وقيل بكتاب أعمالهم ، فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشرّ (فَمَنْ أُوتِيَ) من هؤلاء
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ١٧٨.
(٢) الشمس ، ٩١ / ١٥.
(٣) الشعراء ، ٢٦ / ٢٢٣.
(٤) يونس ، ١٠ / ٣٦.
(٥) البيهقي في الشعب وابن ماجه عن أبي هريرة موقوفا.