(إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) (٧٧)
٧٥ ـ (إِذاً) لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة (لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوّتك كما قال : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) (١) الآية ، وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات ، لأنّ العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار ، والعذاب يوصف بالضّعف كقوله : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) (٢) أي مضاعفا ، فكأنّ أصل الكلام لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات ، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضّعف ، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات ، ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا ، وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار ، وفي ذكر الكيدودة (٣) وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على أنّ القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ، ولما نزلت كان عليهالسلام يقول : (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) (٤) (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) معينا لك يمنع عذابنا عنك.
٧٦ ـ (وَإِنْ كادُوا) أي أهل مكة (لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم (مِنَ الْأَرْضِ) من أرض مكة (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ) لا يبقون (خَلْفَكَ) بعدك ، أي بعد إخراجك ، خلافك كوفي غير أبي بكر ، وشامي بمعناه (إِلَّا قَلِيلاً) زمانا قليلا ، فإن الله مهلكهم ، وكان كما قال ، فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل ، أو معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم ، ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه ، وقيل من أرض العرب ، أو من أرض المدينة.
٧٧ ـ (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) يعني أنّ كلّ قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم ، ونصبت نصب المصدر المؤكّد ، أي سنّ الله ذلك سنة (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) تبديلا.
__________________
(١) الأحزاب ، ٣٣ / ٣٠.
(٢) الأعراف ، ٧ / ٣٨.
(٣) يعني قوله (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ).
(٤) كنز العمال ٢ / ٣٦٧٤ ، ٥٠٧٥.