(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠)
(وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) باقتراحهم (مُبْصِرَةً) آية بينة (فَظَلَمُوا بِها) فكفروا بها (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها (إِلَّا تَخْوِيفاً) من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له ، فإن لم يخافوا وقع عليهم ، وإن أراد غيرها فالمعنى وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الاخرة وهو مفعول له.
٦٠ ـ (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) واذكر إذ أوحينا إليك أنّ ربّك أحاط بقريش علما وقدرة فكلّهم في قبضته فلا تبال بهم وامض لأمرك وبلّغ ما أرسلت به ، أو بشرناك بوقعة بدر وبالنّصرة عليهم وذلك قوله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (٢) فجعله كان قد كان ووجد فقال أحاط بالناس على سنّته في إخباره ، ولعلّ الله تعالى أراه مصارعهم في منامه ، فقد كان يقول حين ورد ماء بدر : (والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم) وهو يومئ إلى الأرض ويقول : (هذا مصرع فلان) (٣). فتسامعت قريشا بما أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أمر بدر وما أري في منامه من مصارعهم فكانوا يضحكون ويسخرون ويستعجلون به استهزاء ، (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) أي ما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس فإنهم حين سمعوا بقوله : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ) (٤) جعلوها سخرية وقالوا إن محمدا يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول تنبت فيها الشجرة ، وما قدروا الله حق قدره إذا قالوا ذلك ، فإنه لا يمتنع أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النار ، فوبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منه مناديل إذا استخت طرحت في النار ، فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار ، وترى النعامة تبتلغ الجمر فلا يضرّها ، وخلق في كلّ شجرة نارا فلا تحرقها ، فجاز أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها ، والمعنى أنّ الآيات إنما ترسل تخويفا للعباد ، وهؤلاء قد خوّفوا بعذاب الدنيا ، وهو القتل يوم بدر ، وخوّفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقّوم فما أثر فيهم ، ثم قال (وَنُخَوِّفُهُمْ) أي
__________________
(١) القمر ، ٥٤ / ٤٥.
(٢) آل عمران ، ٣ / ١٢.
(٣) أخرجه مسلم من حديث أنس.
(٤) الدخان ، ٤٤ / ٤٣ ـ ٤٤.