(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً) (٦٢)
بمخاوف الدنيا والآخرة (فَما يَزِيدُهُمْ) التخويف (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات ، وقيل الرؤيا هي الإسراء ، والفتنة ارتداد من استعظم ذلك ، وبه تعلّق من يقول كان الإسراء في المنام ، ومن قال كان في اليقظة فسّر الرؤيا بالرؤية ، وإنما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له : لعلها رؤيا رأيتها ، استبعادا منهم ، كما سمّى أشياء بأساميها عند الكفرة كقوله : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) (١) (أَيْنَ شُرَكائِيَ) (٢) أو هي رؤيا أنه سيدخل مكة ، والفتنة الصدّ بالحديبية ، فإن قلت : ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم ، قلت : معناه والشجرة المعلون آكلوها (٣) وهم الكفرة لأنه قال : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٤) فوصفت بلعن أهلها على المجاز ، ولأنّ العرب تقول لكلّ طعام مكروه ضار ملعون ، ولأنّ اللعن هو الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة.
٦١ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) هو تمييز ، أو حال من الموصول ، والعامل فيه أأسجد على أأسجد له وهو طين أي أصله طين.
٦٢ ـ (قالَ أَرَأَيْتَكَ) الكاف لا موضع لها لأنها ذكرت للخطاب تأكيدا (هذَا) مفعول به والمعنى أخبرني عن هذا (الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (٥) أي فضلته ، لم كرّمته عليّ و (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٦) فحذف ذلك اختصارا لدلالة ما تقدّم عليه ، ثم ابتدأ فقال (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) وبلا ياء كوفي وشامي ، واللام موطئة للقسم المحذوف (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) لأستأصلنّهم بإغوائهم (إِلَّا قَلِيلاً) وهم المخلصون ، قيل من كلّ ألف واحد ، وإنما علم الملعون ذلك بالإعلام ، أو لأنه رأى أنه خلق شهواني.
__________________
(١) الصافات : ٣٧ / ٩١.
(٢) النحل ، ١٦ / ٢٧. القصص : ٢٨ / ٦٢ و ٧٤.
(٣) في (ز) آكلها.
(٤) الواقعة ، ٥٦ / ٥١ ـ ٥٣.
(٥) في (ز) وقال أرايتك هذا الذي ... (كَرَّمْتَ عَلَيَ) فاعدنا تقسيم الآية كما في (أ) و (ظ).
(٦) الأعراف ، ٧ / ١٢. ص ، ٣٨ / ٧٦.