مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) (١٨)
(عَلَيْكَ) الباء زائدة ، أي كفى نفسك (حَسِيباً) تمييز ، وهو بمعنى حاسب ، وعلى متعلّق به من قولك حسب عليه كذا ، أو بمعنى الكافي ، وضع موضع الشهيد فعدّي بعلى ، لأنّ الشاهد يكفي المدعي ما أهمّه ، وإنما ذكر حسيبا لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير إذ الغالب أن يتولى هذه الأمور الرجال ، فكأنه قيل كفى بنفسك (١) رجلا حسيبا ، أو تؤوّل النفس بالشخص.
١٥ ـ (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي فلها ثواب الاهتداء وعليها وبال الضلال (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي كلّ نفس حاملة وزرا فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وما صحّ منا أن نعذّب قوما عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولا يلزمهم الحجة.
١٦ ـ (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) أي أهل قرية (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) متنعّميها وجبابرتها بالطاعة ، عن أبي عمرو والزّجّاج (فَفَسَقُوا فِيها) أي خرجوا عن الأمر ، كقولك أمرته فعصى ، أو أمرنا كثّرنا ، دليله قراءة يعقوب آمرنا (٢) ومنه الحديث : (خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة) (٣) أي كثيرة النسل (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) فوجب عليها الوعيد (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) فأهلكناها إهلاكا.
١٧ ـ (وَكَمْ) مفعول (أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ) بيان لكم (مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) يعني عادا وثمود وغيرهما (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) وإن أخفوها في الصدور (بَصِيراً) وإن أرخوا عليها الستور.
١٨ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ) لا ما يشاء (لِمَنْ نُرِيدُ) بدل من له بإعادة الجار ، وهو بدل البعض من الكلّ إذ الضمير يرجع إلى من ، أي
__________________
(١) في (ز) نفسك.
(٢) آمرنا بمد الهمزة.
(٣) كنز العمال ٤ / ٩٣٥٥.