(وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٢١)
من كانت العاجلة همّه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضّلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد ، فقيّد المعجّل بمشيئته والمعجل له بإرادته ، وهكذا الحال ترى كثيرا من هؤلاء يتمنّون ما يتمنّون ولا يعطون إلا بعضا منه ، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه ، فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة ، وأما المؤمن التقي فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتي حظا من الدنيا فبها وإلا فربما كان الفقر خيرا له (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ) في الآخرة (يَصْلاها) يدخلها (مَذْمُوماً) ممقوتا (مَدْحُوراً) مطرودا من رحمة الله.
١٩ ـ (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها) هو مفعول به ، أو حقّها من السعي وكفاءها من الأعمال الصالحة (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) مصدّق لله في وعده ووعيده (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) مقبولا عند الله مثابا عليه ، عن بعض السلف من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إيمان ثابت ونية صادقة وعمل مصيب ، وتلا الآية ، فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكورا : إرادة الآخرة والسعي فيما كلّف ، والإيمان الثابت.
٢٠ ـ (كُلًّا) كلّ واحد من الفريقين ، والتنوين عوض عن المضاف إليه ، وهو منصوب بقوله (نُمِدُّ هؤُلاءِ) بدل من كلّا أي نمدّ هؤلاء (وَهَؤُلاءِ) أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) رزقه ، ومن تتعلق بنمدّ ، والعطاء اسم للمعطى ، أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه ، فنرزق المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضّل (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) ممنوعا عن عباده وإن عصوا.
٢١ ـ (انْظُرْ) بعين الاعتبار (كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في المال والجاه والسّعة والكمال (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) روي أنّ قوما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه ، فخرج الإذن لبلال وصهيب فشقّ على أبي سفيان ، فقال سهيل بن عمرو : إنما أتينا من قبلنا. إنهم دعوا ودعينا يعني إلى الإسلام ، فأسرعوا وأبطأنا ، وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ، ولئن