(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) (٧)
وحيا مقضيّا ، أي مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة. والكتاب التوراة ، ولتفسدنّ جواب محذوف ، أو جرى القضاء المبتوت مجرى القسم فيكون لتفسدنّ جوابا له ، كأنه قال وأقسمنا لتفسدنّ في الأرض (مَرَّتَيْنِ) أولاهما قتل زكرياء عليهالسلام وحبس أرمياء عليهالسلام حين أنذرهم سخط الله ، والأخرى (١) قتل يحيى بن زكرياء عليهالسلام وقصد قتل عيسى عليهالسلام (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) ولتستكبرنّ عن طاعة الله من قوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (٢) والمراد به البغي والظلم وغلبة المفسدين على المصلحين.
٥ ـ (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) أي وعد (٣) عقاب أولاهما (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ) سلّطنا عليكم (عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أشداء في القتال ، يعني سنحاريب وجنوده ، أو بختنصّر أو جالوت ، قتلوا علماءهم ، وأحرقوا التوراة ، وخرّبوا المسجد ، وسبوا منهم سبعين ألفا (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) ترددوا للغارة فيها ، قال الزّجّاج : الجوس طلب الشيء بالاستقصاء (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) وكان وعد العقاب وعدا لا بدّ أن يفعل.
٦ ـ (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ) أي الدولة والغلبة (عَلَيْهِمْ) على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلوّ ، قيل هي قتل بختنصّر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ، ورجوع الملك إليهم ، وقيل أعدنا لكم الدولة بملك طالوت وقتل داود جالوت (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) مما كنتم ، وهو تمييز ، جمع نفر ، وهو من ينفر مع الرجل من قومه.
٧ ـ (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) قيل اللام بمعنى على ، كقوله : (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (٤) والصحيح أنها على بابها ، لأن اللام للاختصاص والعامل مختصّ بجزاء عمله ، حسنة كانت أو سيئة ، يعني أنّ الإحسان والإساءة
__________________
(١) غير مقروءة في (أ).
(٢) القصص ، ٢٨ / ٤.
(٣) في (ز) وعد الله عقاب.
(٤) البقرة ، ٢ / ٢٨٦.